تعرضت للضرب وأنا صغيرة ومعلمتي أفقدتني الثقة بنفسي!

2024-05-02 04:00:51 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله.

أريد أن أطرح عليكم مشكلتي بيني وبين وأمي.

أنا عصبّية، ومع الوقت جاهدت نفسي على أن أصبح أكثر هدوءًا، وشخصيتي كتومة، لا أحب التحدث كثيرًا، وكبرت معي عقدة منذ الصغر، كانت سببتها لي معلمة كانت تدرسني في الابتدائي مادة الرياضيات، وأفقدتني الثقة بالنفس، وكنت أحس نفسي أني بلا جدوى، وغير مفيدة للمجتمع، وحصرت ماهية الإنسان في العلم؛ إذا لم يكن متعلمًا لا ينفع، لأني لم أكن ممتازة في تلك المادة. كانت هذه مقدمة عمَّا عشته وأنا صغيرة.

وبخصوص مشكلتي، أنا وأمي، عندما تحدث مشكلة بيني وبينها، أو بيني وبين أخواتي وأمي تدخل في مشاكلنا، أحاول قدر الإمكان ألَّا أرفع صوتي عليها، وأضبط نفسي، لكن هي تقول لي: "ستموتين وحيدة، وأنت معقدة، ولن تتعايشي مع أحد"، فأصبحتُ حين تحدث مشكلة لا أتحدث معها، ولا أكلمها، فهل هذا يُعَدُّ من العقوق؟ حتى أخواتي عند حدوث مشكلة بيني وبينهن، أصبحن يقلن لي هذا الكلام.

ومن جانب الدراسة يقلن لي: "أنت غير ذكية"، وفعلاً أصبحت أحس أني مريضة نفسيًا، وأصبحتُ لا أفرِّق بين الصح والخطأ أو أميز الصحيح من الخطأ، وأصبحت شخصيتي مضطربة؛ علمًا أني تعرضت للضرب المبرح عندما كنت صغيرة، لأن أمي كانت تسكن في منزل العائلة، وزادت المشاكل عليها، ثم تأتي إليّ لتضربني ضربًا شديدًا، فأصبحتُ شخصية باردة لا أحس بأحد وكتومة جدًّا.

أرجو الإجابة عن شخصيتي، هل هي شخصية مريضة أم ماذا؟ وكيف يمكنني أن أعالج شخصيتي؟

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / المنيرة .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك - عزيزتي - ونشكر ثقتك بنا ومشاركتنا لما تشعرين.

من المحزن أن يتذكر الإنسان من طفولته الضرب المبرح الذي تلقاه من أهله، والذي يعتبر بلا شك من أشد الأخطاء التربوية من الوالدين - بالرغم من محبتهم الكبيرة لأبنائهم - ضررًا على نفسية الأطفال، وهدم ثقتهم بأنفسهم، وعدم الإحساس بالأمان النفسي والثقة لديهم، ولكن غالبًا ما يرتكبون ذلك الخطأ إمَّا جهلًا منهم بضرره النفسي قبل الجسدي، وإمَّا بسبب عدم قدرتهم على ضبط انفعالاتهم والتعامل مع ضغوطاتهم الناتجة عن خبرات سلبية يعيشونها، أو عاشوها هم في طفولتهم أيضًا؛ مما يؤثر ذلك على تعاملهم السوي السليم مع أبنائهم، ويجعلهم يتعاملون معهم بأسلوب خاطئ.

لقد اجتمعتْ عندك هذه الخبرات مع خبرة معلِّمتك في الابتدائية، والتي لعبت دورًا كبيرًا سلبيًا في هدم ثقتك بنفسك أيضًا، وجميعنا نعلم كم هو كبير دور المعلِّم في حياة الطفل، وبناء ثقته بنفسه.

أمَّا المشاكل التي تحدث بينك وبين والدتك وأخواتك؛ فإن أسلوب تعاملهم بشكل عام بلا شك أسلوب خاطئ، ومؤذي للنفس، ولكن دعينا نكون حياديين ونتناقش سويًا كيفية معالجتك لما تعانين منه.

ما حدث في الماضي قد حدث وانتهى، وما يحدث معك الآن يتعلق بتعامل من حولك معك، ونحن لا نستطيع تغيير الآباء والأمهات أو تغيير الآخرين من حولنا، ولكننا نستطيع تغيير طريقة ودرجة تأثرنا في أسلوبهم، وهذا ما سنعمل عليه الآن.

فالآن أنت فتاة بالغة، ومسؤولة عن نفسك في حاضرك ومستقبلك، وهذا يعني أن دورك الآن يكمن في مسؤوليتك تجاه نفسك؛ بأن تحميها من الأثر النفسي السلبي في التعامل مع والدتك معك، وأن تُرفقي مع ذلك بِرّك لها.

لذا نرى أن أهم خطوة عليك القيام بها لتجاوز معاناتك هي تقوية مناعتك النفسية، فأنت بلا شك لا تستطيعين تغيير والدتك، ولكن بإمكانك أن تغيري من نفسك، وتزيدي من قوة شخصيتك وصلابتك النفسية ومناعتك ضد المشكلات الخارجية، ونقترح عليك لتحقيق ذلك:

- تذكّري أن هذه الفترة - طالت أو قصرت - ستمر وستصبح لك حياتك الخاصة، لذا خططي لمستقبلك لتعيشيه كما تحبين وتتمنين، واجعلي مبتغاك في كل خطواتك هو رضا الله سبحانه عنك، دون انتظارك لأي مقابل من والدتك تجاه برّك لها. أي ركزي في نفسك أن كل معاناتك ستصبح ماضياً بالنسبة لك، واجعلي هدفك أن تبني نفسك لتكوني شابة قوية، وواثقة من نفسك، ومتوازنة من داخلك، ومتصالحة مع نفسك وما مرَّ معك.

- هناك نقطة مهمة أريد التوقف عندها، وهي أن الله تعالى قد جعل هناك واجباً على كل من الوالدين والأبناء. ففيما يخص واجب الأهل هو أن يحسنوا في تربية أبنائهم وأن يجتهدوا في المساواة، والعدل فيما بين أبنائهم، في الرعاية، والعطية، والهدايا، والتعامل، وإظهار العاطفة - ذكورًا وإناثا - وأي تقصير في ذلك سيُحاسبون عليه بلا شك.

وفيما يتعلق بواجب الأبناء فهو بر الوالدين والإحسان إليهما. والنقطة الهامة هنا هي: أن العلاقة بينهما ليست بالمثل على الإطلاق، أي على الأبناء بر والديهم حتى لو بدر من الوالدين إساءة لأبنائهم، فالبر ليس مكافأة للوالدين على حُسْن تعاملهما، بل هو واجب أوجبه الله على المسلم يلزَم القيام به، والبر هنا هو الإحسان دون انتظار النتيجة، أي مطلوب منك ومنا جميعا أن نعطي ونبرّ والدينا، وغير مُطالبين أن نجني.

وهنا دعينا نتوقف عند الآية الكريمة: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]، فالله يأمر المسلم أن يُحسن إلى والديه الكافرين والذين يأمرانه بالكفر بالله، ولم يجعل أمر الوالدين للولد بالكفر مُسّوغًا للإساءة إليهما، بل أمره بالمصاحبة بالمعروف، بالرغم من كل ذلك.

والمعروف هو العطاء دون مقابل، أي دون انتظار الرد، وهذا ما أريدك التركيز عليه، أي اجعلي دافعك في بر والدتك وفي تحمّلك لما قد يؤذيك منها هو رضا الله عنك وجزاؤه لكِ.

وأيضًا دعينا نستحضر قصة سيدنا إبراهيم -عليه السلام - وكيف رماه أبوه في المنجنيق، وسكب عليه الزيت، وأراد حرقه وقتله، وعندما خرج من النار قال: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47].

أي ما أريدك التركيز عليه في تفكيرك: أن أعظم أنواع البر هو أن يُحسن الابن والوالدان أو أحدهما يسيئان، أو أن يعطي الابن، والأم أو الأب ينكران.

لذا حاولي عندما تغضب والدتك أن تلتزمي الصمت؛ لكي لا تستثيري غضبها أكثر - إن لاحظتِ أن هذه الطريقة تساعدها فعلًا في تهدئتها، وإن لاحظت أن هناك طريقة أخرى تهدئها أكثر فقومي بها - وخاصة أنها من النمط الذي لا يُجيد التحكُّم في غضبه، مع تفكيرك الداخلي بأن هذا ابتلاء واختبار لصبرك وإيمانك وإحسانك لوالديك، فإن برَرْتِ والدتك وأحسنت إليها مع إساءتها، فهذا هو أعظم درجات البر، وله ثوابه الكبير.

- إن الأسرة في حياة كل إنسان تعتبر بمثابة المرجع الأول في تعزيز شخصيته، ولكن في حالتك أنت من المهم لحماية نفسك من أذى والدتك النفسي، عليك أن تجعلي لك خيارات وبدائل أخرى تعزز من شخصيتك وتقوي من ثقتك بنفسك، وتبني تقديرًا عاليا لذاتك، وهذا بدوره سيقلل تلقائيًا من تأثير والدتك السلبي على شخصيتك ونظرتك لنفسك.

من هذه الخيارات:

- صحبة صالحة على خُلق ودين، وأن توطّدي علاقتك بهم قدر الإمكان، فالأصدقاء الإيجابيون يلعبون دورًا كبيرًا في تقوية شخصيتنا وثقتنا بأنفسنا.

- التكثيف من الانخراط في الحياة الاجتماعية خارج المنزل، مع أناس جدد لا يعرفونك سابقًا، فهذا أيضًا سيجعلك أكثر حرية في إخراج إيجابياتك وتعزيز شخصيتك.

- تابعي فيديوهات (تنمية الذات) سواء لمختصين نفسيين، أو مدربي مهارات الحياة، وهي موجودة بوفرة في اليوتيوب أو باقي تطبيقات التواصل. والانخراط في دورات (تنمية الذات) عبر الإنترنت، وقراءة الكتب حول تنمية الذات والشخصية، وأنماط التفكير.

- من المهم جدًا في رحلة تغيير الإنسان لنفسه، أن يكون إلى جانبه شخص يدعمه ويسانده ويركز في ايجابياته ويرفع من معنوياته وهمته، لذا إن لم يكن لديك شخص مقرب يساعدك، أو صديقة على ثقة تدعمك في هذه الفترة من حياتك، فيمكنك أن تعتبرينا نحن دائرة هذا الدعم الخاصة لك، ويسرّنا أن نبقى على تواصل معك في أي وقت، تراسلينا وتحتاجينا فيه لدعمك.

- كل شخص منا لديه مزيج من الإيجابيات والسلبيات بداخله، لذلك سيساعدك كثيرًا أن تفكري في ايجابيات والدتك معك، وسيُعينك هذا أكثر على تحمُّل أية إساءة منها لك.

- بادري في التودد إلى والدتك وأخواتك بهدايا، أو أعمال بسيطة، أو كلمات طيبة تُدخل الفرح والسعادة إلى قلوبهم، فهذه المبادرات على الأغلب ستُلين قلوبهم عليك وتجعلهم أكثر رقة معك.

أخيرًا: لقد لمسنا في رسالتك كم أنك ترغبين فعلًا في التغيير من نفسك، وأن تكوني نسخة أفضل من نفسك، وتأكدي أنه لم يفتك الأوان على الإطلاق، حيث إن كل يوم وكل عام توجد فرصة جديدة لنا للتغيير، ولنبني حاضرًا أجمل لأنفسنا.

ونتمنى منك أن تتمكّني فعلًا من الجمع بين بر والدتك - بهدف كسب رضا الله ودون انتظار لأي مقابل منه - وبين بنائك في مستقبلك، فأنت حقيقة تستحقين أن تكوني فتاة فعالة، وسعيدة في حياتها.

عليك بالدعاء، وصدق النية، وأن تطلبي من الله إعانتك على بر والدتك، وكوني على ثقة أن الله سيُعينك على ما يقرّبك إليه، فقط أخلصي النية واعزمي الجهد، ولا تيأسي من استمرار المحاولة.

نسأل الله الكريم أن ييسر أمرك ويريح بالك، ونتمنى أن نكون قد أفدْناكِ بما يسّر من إرشاد، ويسرنا تواصلك معنا مُجددًا في أي وقت وفي أي موضوع.

في رعاية الله.

www.islamweb.net