الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حرمتني أمي من الإرث منها، فهل يجوز لي حرمانها من الإرث مني؟

السؤال

حرمتني أمي من الميراث منها، وكتبت ميراثها لأختين، فهل يجوز لي حرمانها أيضًا من أن ترث مني؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فنقول ابتداء: إن من العقوق أن يسعى الولد في حرمان أمه من ميراثه بعد مماته، ولا يجوز أن تقابل إساءة الأم بإساءة مثلها، فالأم حقها عظيم، وإن أساءت يومًا فقد أحسنت سنين، وربما حملها على ما صنعت ما رأته من عقوق منك، وبر من ابنتها، فاتق الله تعالى -أخي السائل- واجتهد في بر أمك بدل أن يمتلئ قبلك غيظًا عليها، وتفكر في الانتقام منها، فإن العقوق من أكبر الكبائر.

قال الهيتمي في الزواجر :الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ، وَالْأَحَادِيثُ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ اخْتَصَّا مِنْ الرِّعَايَةِ، وَالِاحْتِرَامِ، وَالطَّوَاعِيَةِ، وَالْإِحْسَانِ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ جِدًّا وَغَايَةٍ رَفِيعَةٍ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي عُقُوقِهِمَا، وَكَوْنِهِ فِسْقًا بِمَا لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي عُقُوقِ غَيْرِهِمَا. اهــ

وأما ما كتبته لأختك، فإن كنت تعني بقولك كتبت ميراثها أنها كتبته وصية لها -لا على أنه هبة نافذة- فإن هذه وصية لوارث، وليست ملزمة، فإذا ماتت فإن وصيتها لا تمضي إلا إذا رضي بقية الورثة بإمضائها، فلا تستطيع بتلك الوصية أن تحرم بقية ورثتها، وانظر الفتوى رقم: 121878، والفتوى رقم: 170967 عن الوصية للوارث.

وإن كنت تعني أنها كتبته باسمها على أنه هبة لها، فالمفتى به عندنا أن العدل في العطية بين الأولاد واجب، ولا يجوز أن يعطى بعضهم ويُحرم آخرون من غير مسوغ شرعي، وهذا مذهب الحنابلة، وعلى هذا القول فالواجب عليها ما دامت حية أن تعدل في تلك الهبة بأن تعطيك ما يتحقق به العدل، أو ترجع في هبتها لابنتها، قال صاحب الزاد: يجب التعديل في عطية أولاده بقدر إرثهم، فإن فضل بعضهم سوى برجوع، أو زيادة. اهــ.

فإن ماتت قبل أن تصلح خطأها ثبتت الهبة للبنت، ولم يكن لك الرجوع في قول أكثر أهل العلم، قال صاحب الروض: فإن مات الواهب قبله -أي: قبل الرجوع، أَو الزيادة- ثبتت للمُعطَى فليس لبقية الورثة الرجوع. اهــ.

وقال النجدي في حاشيته: قال الموفق: هو قول أكثر أهل العلم، وفي رواية: إن لباقي الورثة أن يرتجعوا ما وهبه. اختاره طائفة من أهل العلم، وقال أحمد: ذهب عروة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم يرد في حياة الرجل، وبعد موته؛ لقوله «لا تشهدني على جور» والجور لا يحل للفاعل فعله، ولا للمعطى تناوله، فيجب رده، ولأن أبا بكر، وعمر أمرا قيس بن سعد برد قسمة أبيه حين ولد له ولد، ولم يعلم به، ولا أعطاه شيئًا، وكان ذلك بعد موت سعد، ولا ريب أن هذا القول أحوط، وأقرب إلى ظواهر الأدلة، وقال الشيخ: لو مات الوالد قبل التسوية، فللباقين الرجوع، وهو رواية عن أحمد، واختيار ابن بطة، وأبي حفص، وأما المفضل فينبغي له الرد قولًا واحدًا بعد الموت. اهــ.

مع العلم أن الهبة لا تتم للموهوب له إلا إذا حازها في صحة الواهب حيازة يتمكن معها من التصرف فيها تصرف الملاك.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني