الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أوصى بثلث ماله لوجه الله وله ديون فهل يجوز جعل الدين من نصيب الموصى لهم وإسقاطه

السؤال

توفي والدي -رحمه الله- وأوصى أن يخرج الثلث من ماله لوجه الله في أوجه الخير.
السؤال: والدي له أموال عند الناس، ومنهم المعسر والمماطل بسبب ظروف الحياة. فهل يجوز إضافة هذه الأموال صدقة عن الموصي وتحسب في الثلث أم لا؟
أفتونا مأجورين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما جعل هذه الديون من نصيب الموصى لهم (لوجه الله) (الثلث)، وتخصيص الورثة بالمال الحاضر: فلا يجوز؛ فإن حق الموصى له في الثلث من الجميع؛ فالجميع يشتركون في العين (الحاضرة)، والدين؛ قال الشربيني في مغني المحتاج: ولو أوصى بثلث ماله لزيد، وله عين ودين أعطى ثلث العين، وكلما نض من الدين شيء أعطى ثلثه. انتهى.

وقال البهوتي في الروض المربع: وإن كان ما عدا المعين دينا أو غائبا أخذ الموصي له ثلث الموصى به، وكل ما اقتضى من الدين أو حضر من الغائب شيء ملك من الموصى به قدر ثلثه حتى يملكه كله. انتهى.

ولا يجوز إسقاط الدين من قدر الموصى لهم، على اعتبار أنهم من جملة (أبواب الخير)؛ فإن مقصد الوصية الصدقة بالمال، لا حفظه، وإحياءه، وقد نص الفقهاء في الزكاة على ذلك، وانظر الفتوى رقم: 267274.

وأما إسقاط الدين عن من أعسر دون اعتباره من الوصية: فهو جائز إن أمضاه سائر الورثة وكانوا بالغين رشداء، ويعتبر صدقة؛ لقول الله تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280]. قال ابن كثير: ثم يندب إلى الوضع عنه، ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل، فقال: {وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} أي: وأن تتركوا رأس المال بالكلية وتضعوه عن المدين. وقد وردت الأحاديث من طرق متعددة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك... فذكرها، ومنها: ما رواه أحمد عن بريدة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة". قال: ثم سمعته يقول: "من أنظر معسرا فله بكل يوم مثلاه صدقة". قلت: سمعتك -يا رسول الله- تقول: "من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة". ثم سمعتك تقول: "من أنظر معسرا فله بكل يوم مثلاه صدقة" قال: "له بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين فأنظره، فله بكل يوم مثلاه صدقة". وعن محمد بن كعب القرظي: أن أبا قتادة كان له دين على رجل، وكان يأتيه يتقاضاه، فيختبئ منه، فجاء ذات يوم فخرج صبي فسأله عنه، فقال: نعم، هو في البيت يأكل خزيرة. فناداه: يا فلان، اخرج، فقد أخبرت أنك هاهنا فخرج إليه، فقال: ما يغيبك عني؟ فقال: إني معسر، وليس عندي. قال: آلله إنك معسر؟ قال: نعم. فبكى أبو قتادة، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من نفس عن غريمه -أو محا عنه- كان في ظل العرش يوم القيامة". رواه مسلم في صحيحه.... انتهى بتصرف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني