الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بفقدان الرغبة في الحياة بعد ابتعاد من كنت أحبهم عني!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 19 سنة، لكن شعوري شعور رجل بلغ الخمسين، بدأت مشكلتي في العزلة بعد أن رحلت عن مكاني الذي ترعرعت فيه، اعتزلت العالم وأصبحت أذهب إلى أصدقائي عندما يضيق صدري، لكننا افترقنا بسبب ظروف الحياة، بدأت أحس بالوحدة.

أصبت بصدمة عاطفية من فتاة كنت أسقي سعادتي بالحديث معها، ذهبت دون وداع، كانت بالنسبة لي أعظم هدية من الله، نويت خطبتها هذه السنة، ولم يقدر الله ذلك، خطبت الفتاة من غيري وهي مقبلة على الزواج، تعلقت بها لمدة 5 سنوات. أنا راضي بما قسمه الله لي، وربما هي سعيدة مع غيري، أو أنها لم تشعر بي يومًا.

المشكلة أني اجتماعي بطبعي، وأصبحت منعزلًا، كنت أضحك على أي شيء والآن فقدت الابتسامة، كنت أشاهد الأفلام والمسلسلات، وأطالع الكتب، أصبحت اليوم لا أفعل شيئًا، أرى الحياة عذاباً والموت راحة، والنوم هروباً من الواقع، ما زلت صغيرًا وأريد حياتي السابقة.

أدعو الله كل يوم. أعلم أنه يحبني وإلا لما ابتلاني، وأعلم أنه اختبار لكني لا أقوى عليه، أتمنى الموت، ولا أعلم ماذا أفعل وأين أذهب! أنام معظم الوقت حتى لا أفكر كثيرًا، وحتى أتجنب نوبات الهلع والبكاء، أشعر بالاكتئاب، ولا أستطيع سوى الصلاة والدعاء، أنقذوني أرجوكم ولو بنصيحة.

شكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك الصحة والعافية، وأن يُعوضك ويُبدلك خيرًا ممَّا فقدت.

الحب بين الجنسين شعور فطري، أودعه الله تعالى في الكائنات الحية بما فيها الإنسان، من أجل التناسل والتكاثر واستمرارية الحياة، والناس بالطبع تختلف باختلاف الانجذاب والإعجاب للطرف الآخر، وهو شيءٌ نسبي، فما تراه أنت حسناً وجميلاً قد يراه غيرك بصورة مختلفة، والعكس صحيح، والمهم في الأمر هو أن يُتوّج هذا الحب بالزواج الشرعي، الذي يُؤدي إلى تكوين الأسرة الصالحة.

فالتجربة التي مررت بها –ابننا الفاضل– قد مرَّ بها كثير من الشباب مثلك، فتعلّقت قلوبهم بالمحبوب، ولكن لم يشأ الله أن يجمع بينهما لظروفٍ تختلف من شخصٍ لآخر.

والمطلوب الآن هو علاج الأثر الذي تركه هذا الفقدان، لقوله صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَ الْمُؤْمِنِ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ ‌لِأَحَدٍ ‌إِلَّا ‌لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ فَشَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ فَصَبَرَ، كَانَ خَيْرًا)، فالمؤمن أمره كله خير، وأمره إلى خير، قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

فقد يفقد الإنسان ماله وولده وزوجته وأحب الناس إليه، وكذلك قد يفقد صحته، وكل ذلك ابتلاءات قد يُبتلى بها الإنسان، وكل ذلك يُعد من باب الابتلاء والتمحيص، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

والصبر على تلك الابتلاءات واحتساب الأجر عند الله عظيم، وجزاء الصابرين لا عدد له، قال تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 96]، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، وما عند الله سبحانه وتعالى خيرٌ وأبقى، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى: 36].

والإنسان لا يعلم عاقبة الأمور؛ لذا عليه أن يرضى بما يُقدّره الله تعالى ويقسمه له.

نريدك الآن أن تركّز في مسيرتك التعليمية، ونجاحك وتفوقك؛ فهو الذي يجلب لك ما تريد -إن شاء الله- في المستقبل. وأنت الآن تتمتّع بكل الحريّة في اختيار شريكة حياتك وبالمواصفات التي تريدها، وستتفتّح لك الفرص، وتكون أكثر ممَّا تتوقع -إن شاء الله- بعد اكتمال دراستك، فهذا هو الأمر المهم الآن، وستأتي بعد ذلك هذه المرحلة –وهي مرحلة لا بد منها إن شاء الله– لتكوّن أسرة صالحة وتسعد بها -بإذن الله تعالى-.

أخي، جميل أنك حريص على صلاتك ودعائك، وجميل أنك راضي بما قسمه الله؛ لكننا نريد أن تعيش هذا الرضا بمعناه الحقيقي؛ فالله هو الذي خلق، وهو الذي قدر، وهو الذي يعلم ما يصلح لعبده وما لا يصلح له؛ فعش سعيداً راضياً مطمئناً، واسع في مصالحك، ولا تلتفت لما لم يقدره الله لك، فلو كان لك ما أخطأك، ولو كان يصلح لك ما ذهب لغيرك. هذا هو الرضا عن الله بكل سرور وفرح؛ فهو سبحانه بيده الخلق والأمر وهو المدبر، وهو الحكيم العليم.

نريدك أن تنسى ما مضى، وتضع لك أهدافًا جديدة وخُططًا جديدة تكون -إن شاء الله- مُثمرة تقطف ثمارها الحلوة -إن شاء الله تعالى- قريبًا.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً