السؤال
هذا الحديث مذكور في البخاري. لا أفهم كيف يكون هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، أشعر بصعوبة في التصديق بذلك، من فضلك وضح لي وجزاك الله خيرا.
باب مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الْخَلْوَةِ، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أفضل. وَقَالَ بَهْزٌ عَنْ أبيه عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " اللَّهُ أحق أن يُسْتَحْيَى مِنْهُ مِنَ النَّاسِ ". 279 ـ حَدَّثَنَا إسحاق بْنُ نَصْرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَتْ بَنُو اِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أن يَغْتَسِلَ مَعَنَا إلا اَنَّهُ آدَرُ، فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى فِي اِثْرِهِ يَقُولُ ثَوْبِي يَا حَجَرُ. حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو اِسْرَائِيلَ إلى مُوسَى، فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَاْسٍ. وَأخَذَ ثَوْبَهُ، فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا . فَقَالَ أبو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ اِنَّهُ لَنَدَبٌ بِالْحَجَرِ سِتَّةٌ أو سَبْعَةٌ ضَرْبًا بِالْحَجَرِ.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فينبغي أن تعلم أن قبول خبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يتوقف على قدرتك على فهمه بل الواجب المبادرة إلى تصديقه ثم سؤال أهل العلم عما أشكل عليك.
وبالنسبة للحديث المذكور فإنه حديث صحيح وليس فيه إشكال، فالتعري الذي كان في جماعة بني إسرائيل إذا اغتسلوا مما خالفوا فيه نبيهم وعاندوا فيه الشرع كما هو غالب حالهم، وإلى هذا التفسير ذهب غير واحد من أهل العلم كالقرطبي شارح مسلم وابن بطال شارح البخاري.
وذهب غيرهما كابن حجر إلى أن ذلك قد يكون جائزا في شريعتهم، ومعلوم أن الشرائع تختلف باختلاف البيئات والأزمان حتى جاءت هذه الشريعة فنسخت الشرائع قبلها، ولا ريب أن التعري على الوجه المذكور في الحديث محرم في شريعة الإسلام الخاتمة، ثم إن بني إسرائيل لفرط صلفهم وسوء معاملتهم لنبيهم رموه بالباطل وزعموا أنه لا يغتسل معهم لعيب فيه، فزعموا أنه آدر أي عظيم الخصية، فأراد الله تعالى أن يبرئ نبيه من تهمتهم ويدفع عنه أذاهم، فكان أن أخذ الحجر ثوبه وهو يغتسل، فلما فعل الحجر فعل من يعقل عامله موسى معاملة من يعقل فعدى خلفه وهو يقول ثوبي يا حجر أي هات ثوبي يا حجر، ثم عاقبه على فعله ذاك بأن ضربه حتى أثر الضرب فيه.
قال ابن حجر: قوله: فجمح موسى أي جرى مسرعا، وفي رواية: فخرج، قوله: ثوبي يا حجر أي أعطني وإنما خاطبه لأنه أجراه مجرى من يعقل لكونه فر بثوبه فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم الحيوان فناداه، فلما لم يعطه ضربه، وقيل يحتمل أن يكون موسى أراد بضربه إظهار المعجزة بتأثير ضربه فيه، ويحتمل أن يكون عن وحي. انتهى.
فلما وقع هذا الأمر نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فوجدوه بريئا مما رموه به، وفي هذا يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا. {الأحزاب: 69}. وإنما مكنهم الله تعالى من النظر إليه لأجل الضرورة وهي دفع التهمة عنه، فهذا نظير النظر إلى العورة للمداواة. قال ابن حجر: ظاهره أنهم رأوا جسده وبه يتم الاستدلال على جواز النظر عند الضرورة لمداواة وشبهها. انتهى.
ومن العلماء من رأى أنهم لم ينظروا إلى عورة موسى عليه السلام مكشوفة وإنما كان عليه مئزر وإنما علموا سلامته من العيب لأن المئزر يبدي ما تحته عند البلل.
قال ابن حجر: وأبدى ابن الجوزي احتمال أن يكون كان عليه مئزر لأنه يظهر ما تحته بعد البلل واستحسن ذلك ناقلا له عن بعض مشايخه. وفيه نظر. انتهى.
ولعل ما أوضحناه لك يكون قد أزال عنك الإشكال ورفع اللبس.
والله أعلم.