السؤال
حجت والدتي قبل 35 سنة وكانت موظفة في السعودية في أبها قبل زواجها، وبعد وقوفها في عرفة حاضت فعملت جميع المناسك باستثناء طواف الإفاضة والوداع، ثم رجعت إلى الأردن، ولجهلها بالحكم الشرعي تزوجت وأنجبت والآن نحن في حيرة، فما العمل؟ علما بأنها قامت بعمرة قبل 5 سنوات وطافت وسعت، فهل طواف هذه العمرة يجزئ عن طواف الإفاضة؟ وهل حجها باطل؟ أم أنها ما زالت على إحرامها؟علما بأن سياسة الأردن حلف اليمين بأنها لم تحج من قبل, فهل يجوز لها الحلف على ذلك؟ وهل زواجها قبل 35 سنة كان باطلا؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك في أن الجهل بأحكام الشرع داء عضال، وبسببه يوقع المكلف نفسه في حرج عظيم، فحري بكل عاقل حريص على إبراء ذمته وأن يعبد ربه على بصيرة أن يجتهد في تعلم ما يلزمه تعلمه من أحكام الشرع المطهر، ويجب على والدتك ـ هداها الله ـ أن تستغفر من تقصيرها وتفريطها في تعلم ما يلزمها تعلمه فإنها بسبب الجهل أوقعت نفسها في هذا الحرج.
وأما عن جواب هذه المسألة: فإن هذه المرأة كانت باقية على إحرامها لم تحل منه حتى طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة، وذلك أن الطواف والسعي لا آخر لوقتهما، قال النووي ـ رحمه الله: وهذا الطواف ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به بإجماع الأمة، قال الأصحاب: ويدخل وقت هذا الطواف من نصف ليلة النحر ويبقى إلى آخر العمر ولا يزال محرما حتى يأتي به. انتهى.
وإذ قد اعتمرت فطافت في عمرتها تلك وسعت، فإن إحرامها بالعمرة لم ينعقد ووقع طوافها وسعيها عن طواف الحج وسعيه إن كان قد لزمها السعي، وذلك لأن المتلبس بالنسك لا يجوز له الإحرام بالعمرة ولا ينعقد إحرامه، قال الشافعي ـ رحمه الله ـ في الأم: فَإِنْ اعْتَمَرَ وهو في بَقِيَّةٍ من إحْرَامِ حَجِّهِ، أو خَارِجًا من إحْرَامِ حَجِّهِ وهو مُقِيمٌ على عَمَلٍ من عَمَلِ حَجِّهِ فَلَا عُمْرَةَ له وَلَا فِدْيَةَ عليه، لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ في وَقْتٍ لم يَكُنْ له أَنْ يُهِلَّ بها فيه. انتهى.
وأما زواج تلك المرأة: فإنه لم يقع صحيحا عند كثير من العلماء، أو أكثرهم، فإن نكاح المحرم غير صحيح عند الجمهور، كما هو مبين في الفتوى رقم: 141779.
وذهب بعض العلماء إلى أن عقد النكاح إذا وقع بعد التحلل الأول فإنه يكون صحيحا، وإنما يحرم بعد التحلل الأول الوطء ـ فقط ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو كذلك قول كثير من الشافعية، قال النووي في شرح المهذب: قال أصحابنا: أي الشافعية - الحج ويحل بالتحلل الأول في اللبس والقلم وستر الرأس والحلق إن لم نجعله نسكا بلا خلاف، ولا يحل الجماع إلا بالتحللين بلا خلاف، والمستحب أن لا يطأ حتى يرمي أيام التشريق وفي عقد النكاح والمباشرة فيما دون الفرج بشهوة كالقبلة والملامسة قولان مشهوران، قال القاضي أبو الطيب: نص عليهما الشافعي في الجديد، أصحهما عند أكثر الأصحاب لا يحل إلا بالتحللين وأصحهما عند المصنف - أي الشيرازي - والروياني يحل بالأول. انتهى.
وقال ابن مفلح ـ رحمه الله ـ في الفروع: ثم حل له كل شيء إلا النساء، قال القاضي وابنه وابن الزاغوني والشيخ وجماعة والعقد، وظاهر كلام أبي الخطاب وابن شهاب وابن الجوزي حله وقاله شيخنا وذكره عن أحمد. انتهى.
وصوبه في تصحيح الفروع وذكر أنه ظاهر كلام أكثر الأصحاب يعني الحنابلة، والأخذ بهذا القول ـ وهو صحة عقد النكاح في هذه الصورة ـ لا حرج فيه وقد رجحه من مر ذكره من العلماء، وهو ـ أيضا ـ مذهب الحنفية فإنهم يصححون نكاح المحرم بكل حال، والأحوط تجديد هذا العقد وذلك بأن يقول وليها لزوجها زوجتك بنتي، أو أختي ويقول هو قبلت في حضرة شاهدين عدلين، وهذا أمر يسير ـ إن شاء الله ـ وبه يحصل الخروج من الخلاف.
وأما الأولاد: فهم لاحقون بأبيهم بلا خلاف، لأن الوطء كان وطء شبهة عند من لم يصحح العقد وما حدث من الوطء قبل تحللها فإنه لا شيء عليها فيه لأجل الجهل بالحكم.
والله أعلم.