السؤال
أنا موظفه أعمل في مكان اختلاط، وعند عملي مع الطبيب أكون مرتدية العباية، والطبيب لا يعترض على ذلك، وحريص على مساعدتنا في ذلك، ولكن لدينا فرقة متابعة نسائية من وزارة الصحة، تخيل امرأة مثلي تمنعني من لبس العباية، وإذا سألناها عن المانع، حيث إن لبسنا لا يؤثر على سير العمل، تقول: بأمر من مدير الشؤن الصحية.
أرجو كتابة الرد، والنصيحة له، لكي أقوم بإيصال الرد له.
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على المرأة أن تستر جميع بدنها إذا كانت في حضرة رجل أجنبي، لا فرق في ذلك بين الموظفة وغيرها، أما عدا الوجه والكفين، فهذا باتفاق الفقهاء، وأما الوجه والكفان فعلى القول الراجح الذي دلت عليه الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز للمرأة أن تعمل عملًا يستلزم كشفها عن حجابها، أو يوقعها في محذور شرعي كالخلوة بأجنبي عنها.
وعلى من ولاه الله شيئًا من أمر المسلمين أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإنه مسؤول عن ذلك أمام الله تعالى، والسماح للموظفة بإبداء زينتها، أو كشف شيء من شعرها وصدرها أو قدميها، منكر عظيم، وكذلك السماح لها بكشف وجهها على القول الراجح.
ومن أقرَّ ذلك من مدير أو مسؤول، فهو شريك في الإثم، غاش لرعيته، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري، ومسلم، واللفظ له.
وعند البخاري: ما من عبد يسترعيه الله رعية، فلم يحطها بنصحه، إلا لم يجد رائحة الجنة.
ومدير الشئون الصحية إن كانت له سلطة على جميع الموظفات في دائرته، فهو مسؤول عن كل واحدة منهن، مطالب بحجزهن ومنعهن من ارتكاب ما حرم الله عليهن من التبرج وغيره.
وهذا يعني عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، لاسيما في هذا الزمن الذي تساهل فيه كثير من النسوة في أمر الحجاب وغطاء الرأس والذراعين وغيرهما، مما يحتم عليه أن يكثر من فرق المراقبة والمتابعة، وأن يكون حازماً تجاه كل مخالفة شرعية، إبراء لذمته، وحذراً من الدخول في الوعيد المذكور في الحديث السابق.
ومن هذا يعلم أن التزام الموظفة بعباءتها وحجابها أمر ينبغي أن يكون مفرحاً وساراً لهذا المسؤول المستشعر لرقابة الله تعالى له، فإن هذه المؤمنة قد سهلت عليه مهمته، وخففت عنه شيئاً من أعباء الأمانة المنوطة به، فحقها أن تكافأ وأن تكرم.
وقد ربط الشرع بين الإيمان وبين الغيرة على محارم الله وإنكار المنكرات، فكلما قوي إيمان العبد كلما قويت غيرته، واشتد سعيه في إنكار المنكر، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وقال: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه. رواه مسلم.
وليحذر المؤمن من أن ينهى عما أمر الله تعالى به، فإن هذا من المشاقة لله ورسوله: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرا [نساء:115]. وهذا من صفات المنافقين، كما قال الله: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة:67].
ومن استدرجه الشيطان إلى هذا الخلق الشنيع، لم ينفعه الاعتذار بشيء من أمور الدنيا ومتاعها الزائل، ولا بكونه متبعاً أو مقلدًا أو مأموراً من قبل غيره، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يقينا شر أنفسنا وأن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.