السؤال
هل ثبت أن الصحابيات اللاتي جئن لمبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم مددن أيديهن للرسول صلى الله عليه وسلم ليصافحهن فقال لهن الرسول صلى الله عليه وسلم: "إني لا أصافح النساء" أم أنهن لم يمددن أيديهن وقلن فقط: الله وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنَّا بِأَنْفُسِنَا، هَلُمَّ نُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ الله؛ لأنني كنت أعظ أمي بعدم مصافحة الرجال، فقلت لها: بأن الصحابيات مددن أيديهن عند البيعة, فقال لهن الرسول صلى الله عليه وسلم: "إني لا أصافح النساء".
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج الإمامان مالك في الموطأ وأحمد في المسند وغيرهما عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ بَايَعْنَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ, فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا, وَلَا نَسْرِقَ, وَلَا نَزْنِيَ, وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا, وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا, وَلَا نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ قَالَتْ: فَقُلْنَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا, هَلُمَّ نُبَايِعْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِثْلِ قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط إلا بما أمره الله تعالى، وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن البيعة: "قد بايعتكن كلامًا". متفق عليه
وقد رهب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مس النساء؛ كما في حديث معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له". رواه الطبراني والبيهقي, قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات, وقد استنبط اهل العلم من هذا حرمة مصافحة الأجانب. قال الحافظ العراقي في طرح التثريب: فيه أنه عليه الصلاة والسلام لم تمس يده قط يد امرأة غير زوجاته وما ملكت يمينه، لا في مبايعة ولا في غيرها، وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه، فغيره أولى بذلك، والظاهر أنه كان يمتنع من ذلك لتحريمه عليه، فإنه لم يعد جوازه من خصائصه. اهـ.
وقال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان: كونه صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء وقت البيعة دليل واضح على أن الرجل لا يصافح المرأة، ولا يمس شيء من بدنه شيئًا من بدنها؛ لأن أخف أنواع اللمس المصافحة، فإذا امتنع منها صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي يقتضيها وهو وقت المبايعة، دل ذلك على أنها لا تجوز، وليس لأحد مخالفته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو المشرع لأمته بأقواله وأفعاله وتقريره. اهـ.
وقال الشيخ محمد الحامد في كتابه حكم مصافحة المرأة: دلالة الحديث على تحريمها دلالة أوّليّة، إذ قد امتنع عنها صلى الله عليه وسلم حال المبايعة، مع أنّ الأصل فيها أن تكون معاقدة بالأيدي ومصافحة بها، فلَأَنْ تكون ممنوعةً في غير هذا الموطن أوْلى وأجْدر، والأحاديث التي رويناها في تحريم المسّ تُصحِّح الفهم وتورثه السلامة، وتنأى بالمرء عن هذا المنزلق الخطِر، فإن المرأة مشتهاة خِلْقة، واللّمْس مثيرُ شهوة الوِقاع، وهي أعصى الشهوات للدين والعقل، فكل سبب يدعو إليها في غير حلّ ممنوع في الإسلام ومحظور، إذ الوسائل لها أحكام المقاصد. اهـ.
والله أعلم.