الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيظهر أنك مصاب بشيء من الوسوسة، لذا ننصحك بتركها، والإعراض عنها بالكلية، وراجع - في ذلك - الفتوى رقم: 51601.
وبخصوص ما سألت عنه، فجوابه كالآتي:
1- تقدم الكلام عن حد الوجه الواجب غسله في الوضوء، وذلك في الفتوى رقم:93899، فراجعها لتعلم ما هو مطلوب منك في هذا الأمر، وراجع أيضًا الفتوى رقم: 7503 بشأن صفة وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- كما رواها عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
واعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو القدوة والمشرع كان يغسل أعضاء وضوئه أحيانا مرة مرة، وأحيانا مرتين مرتين، وأحيانا ثلاثًا ثلاثًا، وقد يمازج بين هذا وذاك، فدل هذا على أن الواجب هو الغسل مرة فقط، وما بعدها سنة؛ جاء في شرح مسلم للإمام النووي: وَقَدْ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِب فِي غَسْلِ الأَعْضَاء مَرَّة مَرَّة، وَعَلَى أَنَّ الثَّلاث سُنَّة، وَقَدْ جَاءَتْ الأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِالْغَسْلِ مَرَّة مَرَّة، وَثَلاثًا ثَلاثًا، وَبَعْض الأَعْضَاء ثَلاثًا وَبَعْضهَا مَرَّتَيْنِ وَبَعْضهَا مَرَّة . قَالَ الْعُلَمَاء: فَاخْتِلافهَا دَلِيل عَلَى جَوَاز ذَلِكَ كُلّه، وَأَنَّ الثَّلاث هِيَ الْكَمَال، وَالْوَاحِدَة تُجْزِئُ، فَعَلَى هَذَا يُحْمَل اِخْتِلاف الأَحَادِيث. اهـ .
وقال الشوكاني -رحمه الله-: وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين، والاختلاف دليل على جواز ذلك كله، وأن الثلاث هي الكمال، والواحدة تجزئ. اهـ.
وعليه؛ فالواجب هو غسل جميع الوجه مرة، وعلى أي صفة حصل الغسل أجزأ، ولا إشكال ولا صعوبة في ذلك إلا على من لديه وسواس أو يريد أن يبالغ ويكلف نفسه ما لم يكلفه الله به، وهذا من التنطع المذموم، فمن المعلوم: أن من أخذ الماء بيديه ثم صبه على وجهه أمكن أن يصل إلى جميع الوجه بلا أدنى مشقة، فدع عنك الوسواس، والمبالغة فيه، واغسل وجهك وبقية أعضائك بلا تكلف، وانظر لبيان الصفة المستحبة لغسل الوجه الفتوى رقم: 75176.
وننبه إلى أن "منابت الشعر" المقصود بها: منابت شعر الرأس المعتاد، وعلى ذلك؛ يخرج الأصلع، فلا يجب عليه الوصول إلى منابت الشعر، بل يكتفي بغسل جبهته، جاء في الشرح الكبير للدردير: وخرج بقوله: المعتاد الأصلع والأنزع، فلا يجب عليه أن ينتهي إلى منابت شعره، بل يقتصر على الجبهة إلا قدر ما يتم به الواجب، والأغم فإنه يدخل في الغسل ما نزل عن المعتاد، وينتهي إلى محل المعتاد، وقدر ما يتم به الواجب. اهـ.
2- شحمة الأذن لا يجب غسلها في الوضوء، لأنها ليست من الوجه قطعًا، وإنما يسن مسحها عند الجمهور؛ لأنها من الأذن، قال خليل في المختصر -عطفًا على مسنونات الوضوء-: ( ومسح وجهي كل أذن) اهـ. قال الدردير في شرحه على خليل: فالسنن التي تتعلق بالاذنين ثلاثة. اهـ. قال الدسوقي -موضحًا عبارة الدردير-: أَيْ مَسْحُ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا وَمَسْحُ الصماخين. اهـ.
وجاء في حاشية العدوي: ( ومسح الأذنين ) صفته: أن يجعل باطن الإبهامين على ظاهر الشحمتين، وآخر السبابتين في الصماخين، ووسطهما مقابلا للباطن دائرين مع الإبهامين للأخرين. اهـ.
وانظر -بشأن حكم مسح الأذنين ومن ترك ذلك عمدا أو نسيانا- الفتوى رقم: 34870، والفتوى رقم: 163295، وراجع الفتوى رقم: 181007 حول كيفية مسح الأذنين.
مع العلم بأن المسح عمومًا مبني على التخفيف، فلا يشترط فيه ما يشترط في الغسل.
3 - ما كان من اللحية خفيفًا يجب إيصال الماء إلى ما تحته من البشرة، وأما ما كان منها كثيفًا فيكفي غسل ظاهره، واستحب الجمهور تخليل اللحية الكثيفة، جاء في الموسوعة الفقهية: ويسن تخليل اللحية الكثيفة عند الحنفية, والشافعية، والحنابلة; لما روي عن أنس -رضي الله عنه-: { أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا توضأ أخذ كفًّا من ماء تحت حنكه فخلل به لحيته, وقال: هكذا أمرني ربي }. وعند المالكية في تخليل شعر اللحية الكثيفة ثلاثة أقوال: الوجوب, والكراهة، والاستحباب. أظهرها: الكراهة؛ لما في ذلك من التعمق. اهـ.
والضابط الذي نميز به بين اللحية الخفيفة واللحية الكثيفة: أنه إذا رُئيت البشرة وظهرت من تحت اللحية فهي خفيفة، وإلا فهي كثيفة، وانظر الفتوى رقم: 131915.
والله أعلم.