السؤال
وقل اعملو فسيرى الله عملكم (فسيرى) هنا، معناها الرؤية، أم تيسير الحال؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس المراد بالرؤية في قول الله تعالى: فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ {التوبة:105}. تيسير العمل أو الحال، بل المراد العلم بالعمل، وأن أعمالكم ستعرض على الله تعالى.
قال الشوكاني في فتح القدير: قَوْلُهُ: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ. فِيهِ تَخْوِيفٌ وَتَهْدِيدٌ، أَيْ: إِنَّ عَمَلَكُمْ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ، وَلَا عَلَى رَسُولِهِ، وَلَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. فَسَارِعُوا إِلَى أَعْمَالِ الْخَيْرِ، وَأَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
وَفِيهِ أَيْضًا تَرْغِيبٌ وَتَنْشِيطٌ، فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ عَمَلَهُ لَا يَخْفَى سَوَاءٌ كَانَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، رَغِبَ إِلَى أَعْمَالِ الْخَيْرِ، وَتَجَنَّبَ أَعْمَالَ الشَّرِّ. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ زُهَيْرٍ:
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ... وَإِنَّ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمُ
وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ هُنَا: الْعِلْمُ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ. اهــ.
وقال ابن كثير في تفسيره: قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا وَعيد، يَعْنِي مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- لِلْمُخَالِفِينَ أَوَامِرَهُ بِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ ستعرَضُ عَلَيْهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَعَلَى الرَّسُولِ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَهَذَا كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}، وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}، وَقَالَ: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}، وَقَدْ يَظْهَرُ ذَلِكَ لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا دَرَّاج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ فِي صَخْرَةٍ صَماء لَيْسَ لَهَا بَابٌ وَلَا كُوَّة، لَأَخْرَجَ اللَّهُ عَمَلَهُ لِلنَّاسِ كَائِنًا مَا كَانَ".
وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّ أَعْمَالَ الْأَحْيَاءِ تُعرَض عَلَى الْأَمْوَاتِ مِنَ الْأَقْرِبَاءِ وَالْعَشَائِرِ فِي الْبَرْزَخِ، كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إن أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقْرِبَائِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ فِي قُبُورِهِمْ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا: "اللَّهُمَّ، أَلْهِمْهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِكَ"
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ، عمَّن سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنَ الْأَمْوَاتِ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا: اللَّهُمَّ، لَا تُمِتْهُمْ حَتَّى تَهْدِيَهُمْ كَمَا هَدَيْتَنَا".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: إِذَا أَعْجَبَكَ حُسن عَمَلِ امْرِئٍ، فَقُلْ: {اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}». اهــ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني