السؤال
يكثر اليوم الحديث عن القوارير، وعن: استوصوا بالنساء... الخ، فكيف لي أن أحترم القوارير، إذا كانت النساء متبرجات، وكثيرات العُري، والاختلاط بالرجال؟
وهل نستوصي بالنساء المتبرجات،، مع العلم أن النساء اللاتي يقع عليهن وصف القوارير ونستوصي بهن. هن الحافظات لفروجهن، والمحتشمات، ومن ترى في الاختلاط فتنة وفساد خُلُق، وتعرف الله، وتصلي.
فهل... استوصوا بالنساء... ينطبق على المتبرجات، وغير الحافظات لفروجهن؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أكدّ الشرع على الوصية بالنساء، ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء.
قال ابن الجوزي -رحمه الله- في كشف المشكل: وَإِنَّمَا خص النِّسَاء بِالذكر لضعفهن، واحتياجهن إِلَى من يقوم بأمورهن. انتهى.
وفي صحيح البخاري عن أنس -رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، وكان غلام يحدو بهن -يقال له أنجشة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير. قال أبو قلابة: يعني النساء.
وفي سنن ابن ماجه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم إني أُحَرِّج حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة.
قال النووي -رحمه الله- في رياض الصالحين: ومعنى: أحرج ـ ألحق الحرج، وهو الإثم بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا، وأزجر عنه زجرا أكيدا. انتهى.
وهذه الوصية التي تشمل جنس النساء لا تعني إقرارهن على معصية، أو التهاون معهن إذا فعلن محرما، بل هي تأكيد على أمرهن بالمعروف، ونهيهن عن المنكر، وتجنيبهن أسباب الفتنة.
قال ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: قوله بالنساء خيرا ـ كأن فيه رمزا إلى التقويم برفق، بحيث لا يبالغ فيه فيكسر، ولا يتركه فيستمر على عوجه، وإلى هذا أشار المؤلف بإتباعه بالترجمة التي بعده: باب قوا أنفسكم وأهليكم نارا ـ فيؤخذ منه أن لا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها، أو ترك الواجب، وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة. انتهى.
وجاء في شرح النووي على مسلم: اختلف العلماء في المراد بتسميتهن قوارير على قولين، ذكرهما القاضي، وغيره.
أصحهما عند القاضي، وآخرين، وهو الذي جزم به الهروي، وصاحب التحرير وآخرون: أن معناه أن أنجشة كان حسن الصوت، وكان يحدو بهن، وينشد شيئا من القريض، والرجز، وما فيه تشبيب، فلم يأمن أن يفتنهن، ويقع في قلوبهن حداؤه، فأمره بالكف عن ذلك. انتهى.
وقد جاء في تفسير الطبري -رحمه الله:.... عن قتادة: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. قال: قال يقيهم أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله يأمرهم به، ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها، وزجرتهم عنها. انتهى.
واعلم أنّه ينبغي للمؤمن أن يتسع قلبه رحمة، ورأفة للعصاة، ويرجو لهم الهداية والتوبة، ولا ينافي ذلك إنكاره للمنكر، وبغضه للمعصية، فإنه لا يكره العاصي لذاته، وإنما يكرهه لما تلبس به من المعصية.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في طريق الهجرتين في مشاهد الناس في المعاصي:.. أن يقيم معاذير الخلائق، وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمر الله فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم. انتهى.
والله أعلم.