السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
لدي سؤال ألم نسمع في الحديث الشريف أن ثلاث حركات في الوضع الواحد تبطل الصلاة؟ إذن فلم نر الكثير من المسلمين والمسلمات في المساجد عند التشهد لا يكتفون برفع الإصبع ، وإنما يحركونه بصورة عجيبة ومضحكة ؟ أنا اعتقد أن فقط رفع الأصبع والشهادة بأن الله سبحانه واحد أحد فرد صمد يكفي بأن يؤذي الشيطان أيما أذية ولا يتحول الإصبع إلى قضيب صغير من الحديد ويأتي الشيطان لينام تحته فيوسعه المصلي ضربا مبرحا قد يبطل به صلاته! أعتقد أن الإسلام أعمق من ذلك ، ولعل سؤالي هذا يستحق الإجابة منكم ، شكرا جزيلا لكم وأنتظر الاجابة بفارغ الصبر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالإشارة بالأصبع في الصلاة سنة متفق عليها لصحة الأحاديث الواردة في ذلك، والحكمة منها دفع الشيطان، لما رواه أحمد عن نافع قال كان عبد الله بن عمر إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه وأشار بأصبعه وأتبعها بصره ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهي أشد على الشيطان من الحديد يعني السبابة. وأما تحريكها باستمرار فإن القائلين بذلك متبعون لما ورد في الحديث الذي رواه أحمد أن وائل بن حجر الحضرمي قال قلت لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي – وفيه- ثم قبض بين أصابعه فحلق حلقة ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها ثم جئت بعد ذلك في زمان فيه برد فرأيت الناس عليهم الثياب تحرك أيديهم من تحت الثياب من البرد .
وليس معنى ذلك عندهم أن الشيطان لا يدفع ولا يتأذى إلا بتحريكها فليتنبه لذلك.
وليعلم أن تحريكها لا يبطل الصلاة لأمرين:
الأول: أن الذين يفعلون ذلك يرون صحة الحديث الوارد بالتحريك، وما دام الحديث صحيحا عندهم فلا تكون حركتهم عبثا مبطلا للصلاة، بل تكون من جنس حركات الصلاة كالحركة للركوع والسجود.
الثاني: أن حركة الأصبع حركة صغيرة لا تبطل حتى عند القائلين بأن ثلاث حركات متواليات تبطل الصلاة.
وننبهك إلى أن الفقهاء اتفقوا على أن العمل الكثير يبطل الصلاة، واختلفوا في تحديد الكثرة، ولم يصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن ثلاث حركات تبطل الصلاة، وإنما هو تحديد من بعض الفقهاء.
وعليه فلا يصح الإنكار على من حرك أصبعه في الصلاة، فقد ذهب إلى ذلك أئمة ومنهم المالكية رحمهم الله فإنهم يرون تحريك الأصبع في التشهد كله ويكون تحريكها يمينا وشمالا لا فوق وتحت،
والحنابلة يرون الإشارة بها عند ذكر لفظ الجلالة (الله) والحنفية يرون أنه يشار بها عند قول (لا إله) وضمها عند قول (إلا الله)
والشافعية يرون الإشارة بها عند قول (إلا الله) إلى بقية التشهد دون تحريك لما رواه أحمد والنسائي وأبو داود وغيرهم عن وائل بن حجر رضي الله عنه، أنه قال في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم قعد فافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها.
وفي تحفة الأحوذي - (1 / 325)
قال البيهقي : يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها حتى لا يعارض حديث ابن الزبير عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه بلفظ : كان يشير بالسبابة ولا يحركها ولا يجاوز بصره إشارته . قال الشوكاني في النيل : ومما يرشد إلى ما ذكره البيهقي ، رواية أبي داود لحديث وائل فإنها بلفظ : وأشار بالسبابة انتهى .
قال الحافظ في التلخيص الحبير: "وأصله في مسلم دون قوله: ولا يجاوز بصره إشارته".
والحاصل أن المسألة من مسائل الخلاف بين أهل العلم، ولكل رأيه، ولا ينبغي للمسلم أن يضيق صدره ذرعا بالخلاف فيها، فإن اتفاق العلماء حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة.
والله أعلم.