السؤال
شاهدت ما ورد في تفسير عبس وتولى في هذا الموقع في تفسير سورة عبس وتولى أنها نزلت على رسول الله وأن رسول الله هو الذي عبس وتولى وهذا كلام غير صحيح وإنما الذي عبس وتولى هو عمر بن الخطاب والدليل كالتالي:
1- الوحي كان ينزل على رسول الله وكان يخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام إذا المفروض تأتي الآية التي نزلت على الرسول كالتالي (عبست وتوليت) وليس عبس وتولى هذا إذا كانت الآيه نزلت على الرسول ونضرب بعض الأمثله على الآيات التي كانت تخاطب الرسول (يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) (أنا أعطيناك الكوثر) الكاف هو ضمير يعود إلى الرسول.
2- الله سبحانه وتعالى يقول: (وإنك لعلى خلق عظيم) كيف يكون على خلق عظيم إذا كان يعبس في وجه الغير 3- كذلك الله سبحانه وتعالى يقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثير)، إذاً رسول الله أفضل الخلق والأخلاق فكيف يعبس هذا؟ وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ما شاهدته في هذا الموقع هو ما اتفق عليه المفسرون عن بكرة أبيهم وهو ما جاء في دواوين السنة ومراجع السيرة النبوية الشريفة، ولم نقف على من قال إنها نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإليك التفصيل..
قال الشوكاني في فتح القدير: وقد أجمع المفسرون على أن سبب نزول الآية أن قوماً من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبد الله بن أم مكتوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه ابن أم مكتوم كلامه، فأعرض عنه فنزلت. انتهى.
وقال ابن كثير بعدما ساق الأحاديث الواردة في سبب النزول وأنها في ابن أم مكتوم: وهكذا ذكر غير واحد من السلف والخلف أنها نزلت في ابن أم مكتوم، والمشهور أن اسمه عبد الله ويقال عمرو. والله أعلم. انتهى.
وقال صاحب كتاب محمد رسول الله: أجمع المفسرون على أن الذي عبس وتولى هو الرسول عليه الصلاة والسلام وأجمعوا على أن الأعمى هو ابن أم مكتوم.. أتى رسول الله ابن أم مكتوم وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أقرئني وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك فكره رسول الله قطعه لكلامه وأعرض عنه فنزلت هذه الآية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه يقول مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، ويقول هل لك من حاجة ولا شك أن في استخلافه للمدينة إكراماً له. انتهى.
وأما توجيه الكلام إليه صلى الله عليه وسلم بأسلوب الغيبة فإنه لحكم ونكت بلاغية ربما تغيب عن ذهن من لم يتذوق أساليب اللغة العربية وبلاغتها... فقوله تعالى (عبس وتولى) بأسلوب الإخبار عن الغائب فيه تعظيم له وتكريم فكأن الكلام موجه لغيره... ثم يلتفت ويأتي بأسلوب الخطاب (وما يدريك لعله يزكى..) تأنيساً له صلى الله عليه وسلم، قال صاحب روح المعاني: وضمير عبس وما بعده للنبي صلى الله عليه وسلم وفي التعبير عنه عليه الصلاة والسلام بضمير الغيبة إجلال له صلى الله عليه وسلم لإيهام أن من صدر عنه ذلك غيره لأنه لا يصدر عنه صلى الله عليه وسلم كما أن في التعبير عنه صلى الله عليه وسلم بضمير الخطاب في قوله سبحانه وما يدريك لعله يزكى ذلك لما فيه من الإيناس بعد الإيحاش والإقبال بعد الإعراض والتعبير عن ابن أم مكتوم بالأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وتشاغله بالقوم. انتهى.
وقال ابن عاشور: ولما كان صدور ذلك من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لم يشأ الله أن يفاتحه بما يتبادر منه أنه المقصود بالكلام فوجهه إليه على أسلوب الغيبة ليكون أول ما يقرع سمعه باعثاً على أن يترقب المعنى من ضمير الغائب فلا يفاجئه العتاب وهذا تلطف من الله برسوله صلى الله عليه وسلم ليقع العتاب في نفسه مدرجاً وذلك أهون وقعاً... ثم جيء بضمائر الخطاب على طريقة الالتفات. ثم ذكر رحمه الله بحثاً طويلاً في هذا الموضوع غاية في الأهمية بالنسبة للدعاة وطلبة العلم، نرجو منك أن تطلع عليه، ثم قال في آخره: والحاصل أن الله تعالى أعلم رسوله صلى الله عليه وسلم أن ذلك المشرك الذي محضه نصحه لا يرجى منه صلاح وأن ذلك المؤمن الذي استبقى العناية به إلى وقت آخر يزداد صلاحاً تفيد المبادرة به لأنه في حالة تلهفه على التلقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد استعداداً منه في حين آخر...
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويكرمه ويقول له مرحباً بمن عاتبني فيه ربي وقد استخلفه على المدينة في خروجه إلى الغزوات ثلاث عشرة مرة وكان مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم هو وبلال بن رباح. انتهى.
ثم إن عبوس وجه النبي صلى الله عليه وسلم بسبب هذه الحادثة أو غيرها لا يتنافى مع ما جاء في حسن خلقه والأمر بالاقتداء به، فهو صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وهو وحده الأسوة الحسنة، لكنه بشر يعتريه ما يعتري البشر من الأعراض كالغضب والسرور والمرض والصحة... ويظهر ذلك على جسده وملامح وجهه، فكان صلى الله عليه وسلم يتغير وجهه عندما يرى ما يكره... ويظهر عليه السرور عندما يرى ما يحب.. وقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة صحيحة، وسبب عبوس وجهه صلى الله عليه وسلم إلحاح ابن أم مكتوم وهو معذور -طبعاً- لأنه لا يرى حال النبي صلى الله عليه وسلم وانشغاله عنه، فهذه الحادثة وما نزل فيها من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودليل على صدقه وأنه -كما قال بعض السلف-: لو كتم محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أوحي إليه لكتم هذه الآيات. وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 66269، والفتوى رقم: 38915 وما أحيل عليه فيهما.
هذا وننبه إلى التحذير الأكيد والوعيد الشديد لمن تكلم في القرآن بغير علم فقد أخرج الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فمن كذب علي متعمداً فليتبؤا مقعده من النار، ومن قال في القرآن برأيه فليتبؤا مقعده من النار. وفي رواية: من قال في القرآن بغير علم...
والله أعلم.