الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
أما بالنسبة لشهر رجب: فلم يثبت فضل لعبادة معينة فيه، إلا ما روي من أحاديث في فضل صيام الأشهر الحرم -ورجب منها-، وقد فصلنا الكلام عن ذلك في الفتويين: 28322، 1745.
وأما ما سوى ذلك، فلم يثبت فيه فضل بخصوصه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: فينبغي أن يجتنب جميع هذه المحدثات. ومن هذا الباب: شهر رجب، فإنه أحد الأشهر الحرم، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان إذا دخل شهر رجب، قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان»، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب حديث آخر، بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في كتابه: (تبيين العجب بما ورد في شهر رجب): لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه، حديث صحيح يصلح للحجة. وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره، ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسمحون في إيراد الأحاديث في الفضائل، وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة.
وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفًا، وأن لا يشهر ذلك؛ لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة، وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام، وغيره. انتهى.
وأما بالنسبة لشهر شعبان؛ فينبغي الإكثار فيه من الصيام؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط، إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان. رواه البخاري ومسلم.
وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين؛ فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. رواه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن خزيمة.
كما ورد فضل خاص بليلة النصف منه، من غير ثبوت تخصيصها بعبادة معينة، وقد سبق بيان ذلك في فتاوى كثيرة، منها الفتويين: 6088 ،28037.
وعلى كل حال؛ فإن الإكثار من العبادة، والتقرب إلى الله بسائر أنواع القربات والطاعات المستحبة، مرغب فيه في كل وقت وحال حسب مقدرة المسلم.
والله أعلم.