[ ص: 86 ] المسألة الرابعة
اختلفوا في فقال قوم : لا بد من ذكر السبب فيهما ، أما في الجرح فلاختلاف الناس فيما يجرح به ، فلعله اعتقده جارحا وغيره لا يراه جارحا ، وأما في العدالة فلأن مطلق التعديل لا يكون محصلا للثقة بالعدالة لجري العادة بتسارع الناس إلى ذلك بناء على الظاهر . قبول الجرح والتعديل دون ذكر سببهما
وقال قوم : لا حاجة إلى ذلك فيهما اكتفاء ببصيرة المزكي والجارح ، وهو اختيار القاضي أبى بكر .
وقال ( رضي الله عنه ) " لا بد من ذكر سبب الجرح ، لاختلاف الناس فيما يجرح به ، بخلاف العدالة فإن سببها واحد لا اختلاف فيه " . الشافعي
ومنهم من عكس الحال واعتبر ذكر سبب العدالة دون الجرح ، والمختار إنما هو مذهب القاضي أبي بكر ، وذلك لأنه إما أن يكون المزكي والجارح عدلا بصيرا بما يجرح به ويعدل ، أو لا يكون كذلك ، فإن لم يكن عدلا ، أو كان عدلا وليس بصيرا ، فلا اعتبار بقوله ، وإن كان عدلا بصيرا وجب الاكتفاء بمطلق جرحه وتعديله ، إذ الغالب مع كونه عدلا بصيرا أنه ما أخبر بالعدالة والجرح إلا وهو صادق في مقاله ، فلا معنى لاشتراط إظهار السبب مع ذلك .
والقول بأن الناس قد اختلفوا فيما يجرح به ، وإن كان حقا إلا أن الظاهر من حال العدل البصير بجهات الجرح والتعديل أنه أيضا يكون عارفا بمواقع الخلاف في ذلك .
والظاهر أنه لا يطلق الجرح إلا في صورة علم الوفاق عليها
[1] وإلا كان مدلسا ملبسا بما يوهم الجرح على من لا يعتقده ، وهو خلاف مقتضى العدالة والدين ، وبمثل هذا يظهر أنه ما أطلق التعديل إلا بعد الخبرة الباطنة والإحاطة بسريرة المخبر عنه ، ومعرفة اشتماله على سبب العدالة دون البناء على ظاهر الحال .