[ ص: 477 ] فصل
في
وما هم المنافقون به من الكيد به ، وعصمة الله إياه رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك
ذكر أبو الأسود في " مغازيه " عن عروة قال : تبوك إلى المدينة ، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من المنافقين ، فتآمروا أن يطرحوه من رأس عقبة في الطريق ، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه ، فلما غشيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر خبرهم فقال : (من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي فإنه أوسع لكم ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين هموا بالمكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا ، وقد هموا بأمر عظيم ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان فمشيا معه ، وأمر وعمار بن ياسر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة ، وأمر حذيفة أن يسوقها ، فبينا هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم ، وأبصر حذيفة غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع ومعه محجن ، واستقبل وجوه رواحلهم ، فضربها ضربا بالمحجن ، وأبصر القوم وهم متلثمون ولا يشعر إلا أن ذلك فعل المسافر ، فأرعبهم الله سبحانه حين أبصروا حذيفة ، وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه ، فأسرعوا حتى خالطوا الناس ، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أدركه قال : اضرب الراحلة يا حذيفة ، وامش أنت يا عمار ، فأسرعوا حتى استووا بأعلاها ، فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة : هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب أحدا ؟ قال حذيفة : عرفت راحلة فلان وفلان ، وقال : كانت ظلمة الليل ، وغشيتهم ، وهم متلثمون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا ؟ قالوا : لا والله يا رسول الله ، قال : فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا اطلعت في العقبة طرحوني منها ، قالوا : أولا تأمر بهم يا رسول الله إذا فنضرب أعناقهم ؟ قال : أكره أن [ ص: 478 ] يتحدث الناس ويقولوا : إن محمدا قد وضع يده في أصحابه ، فسماهم لهما وقال اكتماهم ) . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا من
وقال في هذه القصة : ابن إسحاق عبد الله بن أبي ، وسعد بن أبي سرح ، وأبا خاطر الأعرابي ، وعامرا ، وأبا عامر ، والجلاس بن سويد بن الصامت ، وهو الذي قال : لا ننتهي حتى نرمي محمدا من العقبة الليلة ، وإن كان محمد وأصحابه خيرا منا إنا إذا لغنم وهو الراعي ، ولا عقل لنا وهو العاقل ، وأمره أن يدعو مجمع بن حارثة ، ومليحا التيمي ، وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد عن الإسلام وانطلق هاربا في الأرض ، فلا يدرى أين ذهب ، وأمره أن يدعو حصن بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه ، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ويحك ما حملك على هذا ؟ فقال : حملني عليه أني ظننت أن الله لا يطلعك عليه ، فأما إذا أطلعك الله عليه وعلمته فأنا أشهد اليوم أنك رسول الله ، وإني لم أومن بك قط قبل هذه الساعة ، فأقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عثرته وعفا عنه ، وأمره أن يدعو طعيمة بن أبيرق ، وعبد الله بن عيينة ، وهو الذي قال لأصحابه : اسهروا هذه الليلة تسلموا الدهر كله ، فوالله ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل ، فدعاه [ ص: 479 ] فقال : ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قتلت ؟ فقال عبد الله : فوالله يا رسول الله لا نزال بخير ما أعطاك الله النصر على عدوك ، إنما نحن بالله وبك ، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ادع مرة بن الربيع ، وهو الذي قال : نقتل الواحد الفرد فيكون الناس عامة بقتله مطمئنين ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ويحك ما حملك على أن تقول الذي قلت ؟ فقال : يا رسول الله إن كنت قلت شيئا من ذلك إنك لعالم به ، وما قلت شيئا من ذلك ، فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم اثنا عشر رجلا ، الذين حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله ، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم ) ، وأطلع الله سبحانه نبيه على ذلك بعلمه ، ومات الاثنا عشر منافقين محاربين لله ولرسوله ، وذلك قوله عز وجل : ( (إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وسأخبرك بهم إن شاء الله غدا عند وجه الصبح ، فانطلق حتى إذا أصبحت فاجمعهم ، فلما أصبح قال : ادع وهموا بما لم ينالوا ) [ التوبة : 74 ]
وكان أبو عامر رأسهم ، وله بنوا مسجد الضرار ، وهو الذي كان يقال له الراهب ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق ، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة ، فأرسلوا إليه ، فقدم عليهم ، فلما قدم عليهم أخزاه الله وإياهم ، فانهارت تلك البقعة في نار جهنم