قوله عز وجل: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات أما الجنات فهي البساتين يحفها الشجر ، وأما الروضة فهي الخضراء بالنبات ، وأما الزهرة فهي باختلاف الألوان الحسنة. وفي قوله: معروشات أربعة أقاويل: أحدها: أنه تعريش الناس الكروم وغيرها ، بأن ترفع أغصانها ، قاله ، ابن عباس . والثاني: أن تعريشها هو رفع حظارها وحيطانها. [ ص: 178 ] والثالث: أنها المرتفعة عن الأرض لعلو شجرها ، فلا يقع ثمرها على الأرض ، لأن أصله الارتفاع ولذلك سمي السرير عرشا لارتفاعه ، ومنه قوله تعالى: والسدي خاوية على عروشها [الكهف: 42] و [الحج: 45] أي على أعاليها وما ارتفع منها. والرابع: أن المعروشات ما عرشه الناس ، وغير المعروشات ما نبت في البراري والجبال. كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده وإنما قدم ذكر الأكل لأمرين: أحدهما: تسهيلا لإيتاء حقه. والثاني: تغليبا لحقهم وافتتاحا بنفعهم بأموالهم. وفي قوله: وآتوا حقه يوم حصاده ثلاثة أقاويل: أحدها: الصدقة المفروضة فيه: العشر فيما سقي بغير آلة ، ونصف العشر فيما سقي بآلة ، وهذا قول الجمهور. والثاني: أنها صدقة غير الزكاة ، مفروضة يوم الحصاد والصرام وهي إطعام من حضر وترك ما تساقط من الزرع والثمر ، قاله عطاء . والثالث: أن هذا كان مفروضا قبل الزكاة ثم نسخ بها ، قاله ومجاهد ، ابن عباس ، وسعيد بن جبير وإبراهيم. ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين فيه خمسة أقاويل: أحدها: أن هذا هو أن يتجاوز رب المال إخراج القدر المفروض عليه إلى زيادة تجحف به ، قاله الإسراف المنهي عنه ، أبو العالية . وقد روى وابن جريج سعد بن سنان عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنس وقيل: إنها نزلت في المعتدي في [ ص: 179 ] الصدقة كمانعها وقد تصدق بجميع ثمرته حتى لم يبق فيها ما يأكله. ثابت بن قيس بن شماس والثاني: هو أن يأخذ السلطان منه فوق الواجب عليه ، قاله . والثالث: هو أن يمنع رب المال من دفع القدر الواجب عليه ، قاله ابن زيد والرابع: أن المراد بهذا السرف ما كانوا يشركون آلهتهم فيه من الحرث والأنعام ، قاله سعيد بن المسيب. . والخامس: هو أن يسرف في الأكل منها قبل أن يؤدي زكاتها ، قاله الكلبي ابن بحر . قوله عز وجل: ومن الأنعام حمولة وفرشا فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن الحمولة كبار الإبل التي يحمل عليها ، والفرش صغارها التي لا يحمل عليها ، مأخوذ من افتراش الأرض بها على الاستواء كالفرش. وقال ابن بحر : الافتراش الإضجاع للنحر ، فتكون الحمولة كبارها ، والفرش صغارها ، قال الراجز:
أورثني حمولة وفرشا أمشها في كل يوم مشا
أي أمسحها ، قاله ، ابن مسعود ، والحسن . والثاني: أن الحمولة ما حمل عليه من الإبل والبقر ، والفرش: الغنم ، قاله ومجاهد ، ابن عباس ، ومنه قول وقتادة ابن مسلمة:
وحوينا الفرش من أنعامكم والحمولات وربات الحجل
والثالث: أن الحمولة ما حمل من الإبل ، والبقر ، والخيل ، والبغال ، والحمير ، والفرش ما خلق لهم من أصوافها وجلودها. كلوا مما رزقكم الله يحتمل وجهين: أحدهما: من الحمولة ليبين أن الانتفاع بظهرها لا يمنع من جواز أكلها. والثاني: أنه إذن منه في عموم أكل المباح من أموالهم ، ونهى عن أكل ما لا يملكونه. [ ص: 180 ] ولا تتبعوا خطوات الشيطان فيها قولان: أحدهما: أنها طريقه التي يدعوكم إليها من كفر وضلال. والثاني: أنها تخطيه إلى تحريم الحلال وتحريم الحرام ، وقد ذكرنا ما في ذلك من زيادة التأويل ومن الاحتمال ، وأنه الانتقال من معصية إلى أخرى حتى يستوعب جميع المعاصي ، مأخوذ من خطو القدم: انتقالها من مكان إلى مكان. إنه لكم عدو مبين فيه قولان: أحدهما: أنه ما بان لكم من عداوته لأبيكم آدم. والثاني: ما بان لكم من عداوته لأوليائه من الشياطين ، قاله . الحسن