قوله تعالى : الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .
أخرج ، ابن سعد ، وابن أبي حاتم ، عن وأبو الشيخ في قوله : قتادة الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل قال : يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوبا عندهم .
وأخرج ، عن ابن سعد قال : قتادة : نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الكتب محمد رسول الله ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحمادون على كل حال . بلغنا أن
وأخرج ، ابن سعد ، وأحمد المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغت من بيعتي قلت : لألقين هذا الرجل ولأسمعن منه ، فتلقاني بين أبي بكر يمشون ، فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها ، يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنشدك بالذي أنزل التوراة ، هل تجد [ ص: 612 ] في كتابك ذا صفتي ومخرجي ؟ فقال برأسه هكذا أي : لا ، فقال ابنه : إي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن وعمر محمدا رسول الله ، فقال : " أقيموا اليهودي عن أخيكم " . ثم ولي كفنه والصلاة عليه . عن رجل من الأعراب قال : جلبت جلوبة إلى
وأخرج ، ابن سعد ، والبخاري ، وابن جرير في الدلائل ، والبيهقي قال : لقيت عطاء بن يسار قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أجل والله ، إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : عبد الله بن عمرو بن العاصي يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا . عن
وأخرج ، ابن سعد في مسنده ، والدارمي في الدلائل ، والبيهقي ، وابن عساكر قال : عبد الله بن سلام : صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا . [ ص: 613 ] وأخرج عن ، عن الدارمي قال : في السطر الأول : كعب محمد رسول الله ، عبدي المختار ، لا فظ ، ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، مولده بمكة ، وهجرته بطيبة ، وملكه بالشام ، وفي السطر الثاني : محمد رسول الله ، أمته الحمادون ، يحمدون الله في السراء والضراء ، يحمدون الله في كل منزلة ، ويكبرونه على كل شرف ، رعاة الشمس ، يصلون الصلاة إذا جاء وقتها ، ولو كانوا على رأس كناسة ، ويأتزرون على أوساطهم ، ويوضئون أطرافهم ، وأصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل .
وأخرج ، ابن سعد ، والدارمي ، عن وابن عساكر أبي فروة ، ، أنه سأل ابن عباس : كيف تجد نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ؟ فقال كعب الأحبار : نجده : كعب محمد بن عبد الله ، يولد بمكة ، ويهاجر إلى طابة ، ويكون ملكه بالشام ، وليس بفحاش ولا سخاب في الأسواق ، ولا يكافئ بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، أمته الحمادون ، يحمدون الله في كل سراء ، ويكبرون الله على كل نجد ، ويوضئون أطرافهم ، ويأتزرون في أوساطهم ، يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم ، دويهم في مساجدهم كدوي النحل ، يسمع مناديهم في جو السماء . [ ص: 614 ] وأخرج عن ، أبو نعيم معا في الدلائل ، والبيهقي قالت : قلت أم الدرداء : كيف تجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ؟ قال : نجده موصوفا فيها : لكعب محمد رسول الله ، اسمه المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، وأعطي المفاتيح ليبصر الله به أعينا عورا ، ويسمع به آذانا صما ، ويقيم به ألسنة معوجة ، حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يعين المظلوم ويمنعه من أن يستضعف . عن
وأخرج في أخبار المدينة ، الزبير بن بكار في الدلائل ، عن وأبو نعيم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن مسعود بمكة ، ومهاجره بطيبة ، ليس بفظ ولا غليظ ، يجزي بالحسنة الحسنة ، ولا يكافئ بالسيئة ، أمته الحمادون ، يأتزرون على أنصافهم ، ويوضئون أطرافهم ، أناجيلهم في صدورهم ، يصفون للصلاة كما يصفون للقتال ، قربانهم الذي يتقربون به إلي دماؤهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار . صفتي أحمد المتوكل ، مولده
وأخرج ، عن أبو نعيم قال : إن أبي كان من أعلم الناس بما أنزل الله على كعب موسى ، وكان لم يدخر عني شيئا مما كان يعلم ، فلما حضره الموت دعاني فقال لي : يا بني إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئا مما كنت أعلمه ، إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما نبي يبعث قد أظل زمانه ، فكرهت أن أخبر بذلك ، فلا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه ، وقد جعلتها في هذه الكوة التي ترى ، وطينت عليها ، فلا تعرضن لهما ، ولا تنظرن فيهما حينك [ ص: 615 ] هذا ، فإن الله إن يرد بك خيرا ويخرج ذلك النبي تتبعه ، ثم إنه مات فدفناه ، فلم يكن شيء أحب إلي من أن أنظر في الورقتين ؛ ففتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين ، فإذا فيهما : محمد رسول الله خاتم النبيين لا نبي بعده ، مولده بمكة ، ومهاجره بطيبة ، لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ويجزي بالسيئة الحسنة ، ويعفو ويصفح ، أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال ، تذلل ألسنتهم بالتكبير ، وينصر نبيهم على كل من ناوأه ، يغسلون فروجهم ، ويأتزرون على أوساطهم ، أناجيلهم في صدورهم ، وتراحمهم بينهم تراحم بني الدم ، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم ، فمكثت ما شاء الله ، ثم بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة ، فأخرت [175ظ] حتى أستثبت ، ثم بلغني أنه توفي ، وأن خليفته قد قام مقامه ، وجاءتنا جنوده فقلت : لا أدخل في هذا الدين حتى أنظر سيرتهم وأعمالهم ، فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت ، حتى قدمت علينا عمال ، فلما رأيت وفاءهم بالعهد ، وما صنع الله لهم على الأعداء ، علمت أنهم هم الذين كنت أنتظر ، فوالله إني لذات ليلة فوق سطحي ، فإذا رجل من المسلمين يتلو قول الله : عمر بن الخطاب يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها الآية [النساء : 47] ، فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي ، فما كان شيء أحب إلي من الصباح ، فغدوت على المسلمين .
وأخرج ، الحاكم في الدلائل ، والبيهقي عن ، أن يهوديا كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم دنانير ، فتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : ما [ ص: 616 ] عندي ما أعطيك ، قال : فإني لا أفارقك يا علي بن أبي طالب محمد حتى تعطيني ، قال : إذن أجلس معك ، فجلس معه ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والغداة ، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتهددون اليهودي ويتوعدونه ، فقالوا : يا رسول الله ، يهودي يحبسك ! قال : منعني ربي أن أظلم معاهدا ولا غيره . فلما ترجل النهار أسلم اليهودي وقال : شطر مالي في سبيل الله ، أما والله ما فعلت الذي فعلت بك إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة : محمد بن عبد الله ، مولده بمكة ، ومهاجره بطيبة ، وملكه بالشام ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحشاء ولا قوال للخنا .
وأخرج ، عن ابن سعد ، الزهري أن يهوديا قال : ما كان بقي شيء من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة إلا رأيته إلا الحلم ، وإني أسلفته ثلاثين دينارا في تمر إلى أجل معلوم ، فتركته حتى إذا بقي من الأجل يوم أتيته فقلت : يا محمد اقضني حقي ، فإنكم معاشر بني عبد المطلب مطل ، فقال : يا يهودي الخبيث ، أما والله لولا مكانه لضربت الذي فيه عيناك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غفر الله لك يا عمر ، نحن كنا إلى غير هذا منك أحوج ؛ إلى أن تكون أمرتني بقضاء ما علي ، وهو إلى أن تكون أعنته في قضاء حقه أحوج . فلم يزده جهلي عليه إلا حلما ، قال : يا يهودي إنما يحل حقك غدا . ثم قال : يا أبا حفص ، اذهب به إلى الحائط الذي كان سأل أول يوم ، فإن رضيه فأعطه [ ص: 617 ] كذا وكذا صاعا ، وزده لما قلت له كذا وكذا صاعا ، فإن لم يرض فأعطه ذلك من حائط كذا وكذا . فأتى بي الحائط فرضي تمره ، فأعطاه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أمره من الزيادة ، فلما قبض اليهودي تمره قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله ، وإنه والله ما حملني على ما رأيتني صنعت يا أبا حفص إلا أني قد كنت رأيت في رسول الله صفته في التوراة كلها إلا الحلم ، فاختبرت حلمه اليوم ، فوجدته على ما وصف في التوراة ، وإني أشهدك أن هذا التمر وشطر مالي في فقراء المسلمين ، فقال عمر : فقلت : أو بعضهم ؟ فقال : أو بعضهم ، قال : وأسلم أهل بيت اليهودي كلهم إلا شيخا كان ابن مائة سنة ، فعسا على الكفر . عمر
وأخرج ، عن ابن سعد كثير بن مرة قال : إن الله يقول : لقد جاءكم رسول ليس بوهن ولا كسل ، يفتح أعينا كانت عميا ، ويسمع آذانا كانت صما ، ويختن قلوبا كانت غلفا ، ويقيم سنة كانت عوجاء ، حتى يقال : لا إله إلا الله .
وأخرج ، عن ابن سعد قال : أبي هريرة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس ، [ ص: 618 ] فقال : أخرجوا إلي أعلمكم . فقالوا : عبد الله بن صوريا ، فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فناشده بدينه ، وبما أنعم الله به عليهم وأطعمهم من المن والسلوى ، وظللهم به من الغمام : أتعلم أني رسول الله ؟ قال : اللهم نعم ، وإن القوم ليعرفون ما أعرف ، وإن صفتك ونعتك لمبين في التوراة ، ولكنهم حسدوك ، قال : فما يمنعك أنت ؟ ! قال : أكره خلاف قومي ، وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم .
وأخرج ، الطبراني ، وأبو نعيم ، عن والبيهقي الفلتان بن عاصم قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أتقرأ التوراة ؟ قال : نعم ، قال : والإنجيل ؟ قال : نعم ، فناشده : هل تجدني في التوراة والإنجيل ؟ قال : نجد نعتا مثل نعتك ومثل هيئتك ومخرجك ، وكنا نرجو أن تكون منا ، فلما خرجت تخوفنا أن تكون أنت هو ، فنظرنا فإذا ليس أنت هو ، قال : ولم ذاك ؟ قال : إن معه من أمته سبعين ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب ، وإنما معك نفر يسير ، قال : والذي نفسي بيده لأنا هو ، إنهم لأمتي ، وإنهم لأكثر من سبعين ألفا وسبعين ألفا .
وأخرج ، عن ابن سعد قال : بعثت ابن عباس قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وغيرهما إلى يهود يثرب وقالوا لهم : سلوهم عن محمد . فقدموا المدينة فقالوا : أتيناكم لأمر حدث فينا ؛ منا غلام يتيم يقول قولا عظيما ، يزعم [ ص: 619 ] أنه رسول الرحمن ! قالوا : صفوا لنا نعته ، فوصفوا لهم ، قالوا : فمن تبعه منكم ؟ قالوا : سفلتنا ، فضحك حبر منهم وقال : هذا النبي الذي نجد نعته ، ونجد قومه أشد الناس له عداوة .
وأخرج في الحلية ، عن أبو نعيم قال : كان في بني إسرائيل رجل عصى الله تعالى مائتي سنة ثم مات ، فأخذوه فألقوه على مزبلة ، فأوحى الله إلى وهب موسى عليه السلام : أن اخرج فصل عليه ، قال : يا رب ، بنو إسرائيل شهدوا أنه عصاك مائتي سنة ، فأوحى الله إليه : هكذا كان ، إلا أنه كان كلما نشر التوراة ونظر إلى اسم محمد صلى الله عليه وسلم قبله ووضعه على عينيه وصلى عليه ، فشكرت ذلك له وغفرت ذنوبه ، وزوجته سبعين حوراء .
وأخرج ، ابن سعد وصححه ، والحاكم ، وأبو نعيم معا في الدلائل ، والبيهقي عن رضي الله عنها قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم مكتوب في الإنجيل : لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح . عائشة
وأخرج ، البيهقي عن قال : قدم ابن عباس الجارود بن عبد الله على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وقال : والذي بعثك بالحق لقد وجدت وصفك في الإنجيل ، ولقد بشر بك ابن البتول . [ ص: 620 ] وأخرج ، ابن سعد من طريق وابن عساكر موسى بن يعقوب الربعي ، عن سهل مولى خيثمة قال : قرأت في الإنجيل نعت محمد صلى الله عليه وسلم ؛ أنه لا قصير ولا طويل ، أبيض ، ذو ضفرين ، بين كتفيه خاتم ، يكثر الاحتباء ، ولا يقبل الصدقة ، ويركب الحمار والبعير ، ويحتلب الشاة ، ويلبس قميصا مرقوعا ، ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر ، وهو يفعل ذلك ، وهو من ذرية إسماعيل ، اسمه أحمد .
وأخرج ، ابن أبي حاتم في الدلائل ، عن وأبو نعيم قال : أوحى الله تعالى إلى وهب بن منبه أشعياء : إني باعث نبيا أميا ، أفتح به آذانا صما ، وقلوبا غلفا ، وأعينا عميا ، مولده بمكة ، ومهاجره بطيبة ، وملكه بالشام ، عبدي المتوكل المصطفى المرفوع الحبيب المتحبب المختار ، لا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ويغفر ، رحيما بالمؤمنين ، يبكي للبهيمة المثقلة ، ويبكي لليتيم في حجر الأرملة ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ، ولا قوال للخنا ، لو يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته ، ولو يمشي على القصب الرعراع - يعني اليابس - لم يسمع من تحت قدميه ، أبعثه مبشرا ونذيرا ، أسدده لكل جميل ، وأهب له كل خلق كريم ، أجعل السكينة [ ص: 621 ] لباسه ، والبر شعاره ، والتقوى ضميره ، والحكمة معقوله ، والصدق والوفاء طبيعته ، والعفو والمغفرة والمعروف خلقه ، والعدل سيرته ، والحق شريعته ، والهدى إمامه ، والإسلام ملته ، وأحمد اسمه ، أهدي به من بعد الضلالة ، وأعلم به بعد الجهالة ، وأرفع به بعد الخمالة ، وأسمي به بعد النكرة ، وأكثر به بعد القلة ، وأغني به بعد العيلة ، وأجمع به بعد الفرقة ، وأؤلف به بين قلوب وأهواء متشتتة وأمم مختلفة ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ؛ أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ، وتوحيدا لي ، وإيمانا بي وإخلاصا لي ، وتصديقا لما جاءت به رسلي ، وهم رعاة الشمس ، طوبى لتلك القلوب والوجوه والأرواح التي أخلصت لي ، ألهمتهم التسبيح والتكبير والتحميد والتوحيد ، في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم ، ويصفون في مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي ، هم أوليائي وأنصاري ، أنتقم بهم من أعدائي عبدة الأوثان ، يصلون لي قياما وقعودا وركعا وسجودا ، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألوفا ، ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا ، أختم بكتابهم الكتب ، وبشريعتهم الشرائع ، وبدينهم الأديان ، فمن أدركهم فلم يؤمن بكتابهم ويدخل في دينهم وشريعتهم ، فليس مني وهو مني بريء ، وأجعلهم أفضل الأمم ، وأجعلهم أمة وسطا شهداء على الناس ، إذا غضبوا هللوني ، وإذا قبضوا كبروني ، وإذا تنازعوا سبحوني ، يطهرون الوجوه والأطراف ، ويشدون الثياب إلى الأنصاف ، ويهللون على التلال والأشراف ، قربانهم دماؤهم ، وأناجيلهم [ ص: 622 ] صدورهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، ينادي مناديهم في جو السماء ، لهم دوي كدوي النحل ، طوبى لمن كان معهم وعلى دينهم [176و] ومناهجهم وشريعتهم ، ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم .
وأخرج في الدلائل ، عن البيهقي قال : إن الله أوحى في الزبور : يا وهب بن منبه داود ، إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد ، صادقا نبيا ، لا أغضب عليه أبدا ولا يعصيني أبدا ، وقد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأمته مرحومة ، أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء ، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل ؛ حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء ، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة كما افترضت على الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم ، يا داود إني فضلت محمدا وأمته على الأمم كلها ، أعطيتهم ست خصال لم أعطها غيرهم من الأمم ، لا أؤاخذهم بالخطأ والنسيان ، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته ، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافا مضاعفة ، ولهم عندي أضعاف مضاعفة وأفضل من ذلك ، وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون - الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم ، [ ص: 623 ] فإن دعوني استجبت لهم ، فإما أن يروه عاجلا ، وإما أن أصرف عنهم سوءا ، وإما أن أدخره لهم في الآخرة ، يا داود ، من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقا بها ، فهو معي في جنتي وكرامتي ، ومن لقيني وقد كذب محمدا وكذب بما جاء به واستهزأ بكتابي ، صببت عليه في قبره العذاب صبا ، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره ، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار .
وأخرج في نوادر الأصول ، عن الحكيم الترمذي قال : أجد في الكتب أن هذه الأمة تحب ذكر الله ، كما تحب الحمامة وكرها ، ولهم أسرع إلى ذكر الله من الإبل إلى وردها يوم ظمئها . عبد الله بن عمرو