واختلف أهل العلم في فقال الكافر يسلم تحته أختان أو خمس أجنبيات ، أبو حنيفة وأبو يوسف : " يختار الأوائل منهن إن كن خمسا ، وإن كانتا أختين اختار الأولى ، وإن كان تزوجهن في عقدة واحدة فرق بينه وبينهن " . وقال والثوري محمد بن الحسن ومالك والليث والأوزاعي : " يختار من الخمس [ ص: 78 ] أربعا أيتهن شاء ومن الأختين أيتهما شاء " إلا أن والشافعي روي عنه في الأختين أن الأولى امرأته ويفارق الآخرة . الأوزاعي
وقال : " يختار الأربع الأوائل ، فإن لم يدر أيتهن الأولى طلق كل واحدة حتى تنقضي عدتها ثم يتزوج أربعا " . الحسن بن صالح
والدليل على صحة القول الأول قوله تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين وذلك خطاب لجميع المكلفين ، فكان عقد الكافر على الأختين بعد نزول التحريم كعقد المسلم في حكم الفساد ، فوجب التفريق بينه وبين الآخرة لوقوع عقدها على فساد بنص التنزيل ، كما يفرق بينهما لو نكحها بعد الإسلام لقوله تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين والجمع واقع بالثانية وإن كان تزوجهما في عقدة واحدة فهي فاسدة فيهما جميعا لوقوعها منهيا عنها بظاهر النص .
فدل ذلك من وجهين على ما ذكرنا :
أحدهما : وقوع العقدة منهيا عنها ، . والنهي عندنا يقتضي الفساد
والثاني : أنه منع الجمع بينهما بحال .
فلو أبقينا عقده عليهما بعد الإسلام كنا مثبتين لما نفاه الله تعالى من الجمع ، فدل ذلك على بطلان العقد الذي وقع به الجمع . ومن جهة النظر أنه لما لم يجز أن يبتدئ المسلم عقدا على أختين ولم يجز أيضا أن يبقى له عقد على أختين وإن لم تكونا أختين في حال العقد ، كمن فأرضعتهما امرأة فاستوى حكم الابتداء والبقاء في نفي الجمع بينهما ، أشبه نكاح ذوات المحارم في استواء حال البقاء والابتداء فيهما . فلما لم يختلف العقد على ذوات المحارم في وقوعه في حال الكفر وحال الإسلام ووجب التفريق متى طرأ عليه الإسلام وكان بمنزلة ابتداء العقد بعد الإسلام ، وجب مثله في نكاح الأختين وأكثر من أربع نسوة ؛ وكما لم يختلف حكم البقاء والابتداء فيهما كما لم يختلف في ذوات المحارم ، وجب الحكم بفساده بعد الإسلام كما قلنا في ذوات المحارم . تزوج رضيعتين
واحتج من خيره بعد الإسلام بحديث فيروز الديلمي الذي قدمناه ، وبما روى عن ابن أبي ليلى حميضة بن الشمردل عن قال : الحارث بن قيس وبما روى أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أختار منهن أربعا عن معمر عن الزهري عن سالم ابن عمر ، غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : خذ منهن أربعا . أن
فأما حديث فيروز فإن في لفظه ما يدل على صحة العقد وكان قبل نزول التحريم ؛ لأنه قال : " أيتهما شئت " وهذا يدل على بقاء العقد عليهما بعد الإسلام . وحديث يحتمل أن يكون العقد كان قبل نزول التحريم ، فكان صحيحا إلى أن طرأ التحريم ، فلزمه اختيار الأربع منهن ومفارقة سائرهن ، كرجل الحارث بن قيس فيقال له : اختر أيتهما شئت ؛ لأن العقد كان صحيحا إلى أن طرأ التحريم . له امرأتان فطلق إحداهما [ ص: 79 ] ثلاثا
فإن قيل : لو كان ذلك يختلف لسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت العقد . قيل له : يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علم ذلك فاكتفى بعلمه عن مسألته .
وأما حديث عن معمر عن الزهري عن أبيه في قصة سالم غيلان فإنه مما لا يشك أهل النقل فيه أن أخطأ فيه معمرا بالبصرة ، وأن أصل هذا الحديث مقطوع من حديث رواه الزهري ، عن مالك قال : بلغنا الزهري ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة : اختر منهن أربعا ، ورواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من عقيل بن خالد عن قال : بلغنا عن ابن شهاب عثمان بن محمد بن أبي سويد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة . وكيف يجوز أن يكون عنده عن عن أبيه فيجعله بلاغا عن سالم عثمان بن محمد بن أبي سويد ويقال : إنه إنما جاء الغلط من قبل أن كان عنده عن معمرا حديثان في قصة الزهري غيلان ، أحدهما هذا وهو بلاغ عن عثمان بن محمد بن أبي سويد ، والآخر حديثه عن عن أبيه أن سالم غيلان بن سلمة طلق نساءه في زمن وقسم ماله بين ورثته فقال له عمر : " لئن لم تراجع نساءك ثم مت لأورثهن ثم لأرجمن قبرك كما رجم قبر عمر أبي رغال " ، فأخطأ وجعل إسناد هذا الحديث لحديث إسلامه مع النسوة . . معمر