في قال خراج الأرض هل هو جزية : اختلف أهل العلم في خراج الأرضين هل هو صغار ، وهل يكره للمسلم أن يملك أرض الخراج ، فروي عن أبو بكر ابن عباس ، وجماعة من التابعين كراهته ، ورأوه داخلا في آية الجزية ، وهو قول وابن عمر الحسن بن حي وشريك . وقال آخرون : { الجزية إنما هي خراج الرءوس ، ولا يكره للمسلم أن يشتري أرض خراج ، وليس ذلك بصغار } ، وهو قول أصحابنا . وروي عن وابن أبي ليلى ما يدل على أنه لم يكرهه ، وهو ما روى عبد الله بن مسعود عن شعبة عن الأعمش شمر بن عطية عن رجل من طي عن أبيه عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عبد الله بن مسعود قال لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا عبد الله : براذان ما براذان ، وبالمدينة ما بالمدينة يعني أن له ضيعة براذان ، وضيعة بالمدينة ؛ ومعلوم أن راذان من الأرض الخراج ، فلم يكره عبد الله ملك أرض الخراج .
وروي عن في دهقانة نهر الملك حين أسلمت : إن أقامت على أرضها أخذنا منها الخراج . وروي أن عمر بن الخطاب ابن الرفيل أسلم فقال مثل ذلك ، وعن في رجل من أهل الأرض أسلم فقال : إن أقمت على أرضك أخذنا منك الخراج ، وإلا فنحن أولى بها . وروي عن علي سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد مثل ذلك .
وروى عن أبيه عن سهيل بن أبي صالح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة العراق قفيزها ودرهمها ، ومنعت الشام مدها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ، وعدتم كما بدأتم ثلاث مرات ، يشهد على ذلك لحم رضي الله تعالى عنه ودمه أبي هريرة . وهذا يدل على أن خراج الأرض ليس بصغار من وجهين : منعت [ ص: 298 ]
أحدهما : أنه لم يكره لهم ملك أرض الخراج التي عليها قفيز ودرهم ، ولو كان ذلك مكروها لذكره . والثاني : أنه أخبر عن منعهم لحق الله المفترض عليهم بالإسلام ، وهو معنى قوله : عدتم كما بدأتم يعني في منع حق الله ، فدل على أنه كسائر الحقوق اللازمة لله تعالى مثل الزكوات والكفارات لا على وجه الصغار والذلة . وأيضا لم يختلفوا أن الإسلام يسقط جزية الرءوس ، ولا يسقط على الأرض ، فلو كان صغارا لأسقطه الإسلام .
فإن قيل : لما كان خراج الأرضين فيئا ، وكذلك جزية الرءوس دل على أنه صغار قيل له : ليس كذلك ؛ لأن من الفيء ما يصرف إلى الغانمين ، ومنه ما يصرف إلى الفقراء والمساكين ، وهو الخمس ، وهذا كلام في الوجه الذي يصرف فيه ، وليس يوجب ذلك أن يكون صغارا ؛ لأن الصغار في الفيء هو ما يبتدأ به الذي يجب عليه فأما ما قد وجب في الأرض من الحق ثم ملكها مسلم فإن ملك المسلم له لا يزيله إذ كان وجوبه فيها متقدما لملكه ، وهو حق لكافة المسلمين ، ولم تكن الجزية صغارا من حيث كانت فيئا ، وإنما كانت صغارا من حيث كانت عقوبة ، وليس خراج الأرضين على وجه العقوبة ، ألا ترى أن أرض الصبي والمعتوه يجب فيهما الخراج ، ولا تؤخذ منهما الجزية ؛ لأن الجزية عقوبة ، وخراج الأرضين ليس كذلك .