قال الله تعالى:
ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء (272) [ ص: 228 ] ظاهر السياق، تعلق الكلام بما تقدم من قوله: إن تبدوا الصدقات فنعما هي .
وذكر بعد قوله: من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم (272)، فدل المساق والمتقدم، على أن المراد به الصدقة عليهم، وإن لم يكونوا على دين الإسلام.
وروى مرسلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: سعيد بن جبير "لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم".
وقال عليه السلام: "تصدقوا على أهل الأديان".
وكره الناس أن يتصدقوا على المشركين، فأنزل الله تعالى: ليس عليك هداهم .
ونظير ذلك قوله تعالى: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا، ويتيما وأسيرا .
والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركا.
ونظيره قوله: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم .
وظواهر هذه الآيات تقتضي جواز صرف الصدقات إليهم جملة، إلا أن النبي عليه السلام خص من ذلك الزكوات المفروضة.
واتفق العلماء أن زكوات الأموال لا تصرف إليهم لقوله صلى الله عليه وسلم [ ص: 229 ] لمعاذ: ، والذي يتولاه رب المال بنفسه، لا يتناوله هذا الخبر، إلا أنه في معناه لأن الكل كان مأخوذا من أرباب الأموال إلى زمان "خذ الصدقة من أغنيائهم وردها في فقرائهم" عثمان.
ورأى أن غير زكاة المال يجوز صرفها إليهم مثل صدقة الفطر، نظرا إلى عموم الآية في البر وإطعام الطعام وإطلاق الصدقات. أبو حنيفة
ورأى أن الصدقات الواجبة بجملتها مخصوصة منها، لقوله عليه السلام في صدقة الفطر: الشافعي
. "أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم"
وظاهر أن ذلك كان لتشاغلهم بالعيد وصلاة العيد، وهذا لا يتحقق في المشركين.
ودل أيضا، وجوب إعتاق العبد المسلم في كفارة القتل على أن المفروض من الصدقات لا يصرف إلى الكافر.
كما يأخذ صدقات الأموال فكان يأخذ صدقة الفطر أيضا. ومعاذ
واللفظ شامل للجميع، وهو قوله عليه السلام له: . "خذ الصدقة من أغنيائهم وردها في فقرائهم"
على أن قول الله تعالى: ليس عليك هداهم ليس ظاهرا في الصدقات وصرفها إلى الكفار، بل يحتمل أن يكون معناه: ليس عليك هداهم ابتداء، وقوله: وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون للفقراء. [ ص: 230 ] يعني: وما تنفقوا للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله، والمراد بالإنفاق فقراء المهاجرين.