[ ص: 291 ] قوله تعالى: إن أول بيت وضع للناس إلى قوله: ومن دخله كان آمنا (96، 97) .
قوله: فيه آيات بينات مقام إبراهيم .
[ ص: 292 ] والآية في ذلك أن قدميه دخلتا في حجر صلد بقدرة الله عز وجل، ليكون ذلك آية ودلالة على توحيد الله، وصدق نبوة إبراهيم.
ومن الآية فيه: إمحاق الأحجار في موضع الرمي.
وامتناع الطير من العلو عليه، وإنما يطير حوله لا فوقه:
وتعجيل العقوبة لمن انتهك حرمته -وقد كانت العادة جارية بذلك- ومن جملة ذلك: هلاك أصحاب الفيل.
فقال لما ذكر الله تعالى أن فيها آيات بينات جعل من جملتها: "أن من دخله كان آمنا"، وأن ذلك كان من الآيات في أن الله تعالى جعل لذلك الموضع هيبة ووقارا وعظمة في نفوس المفسدين المتمردين، كما قال تعالى: الشافعي:
فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع بأن يجبي إليه ثمرات كل شيء وهو بواد غير ذي زرع، وآمنهم من خوف .
وقال: أولم نمكن لهم حرما آمنا .
فقوله: كان آمنا : مرتبا على ذكر الآيات، ظاهر في كونه خبرا عن شيء كان، وذلك لا يدل على أن من عصى الله تعالى، والتزم حد الله تعظيما لأمر الله وإجلالا لدينه، فهرب مما وجب، وصاحب الشرع يحرم عليه الالتجاء إلى الحرم، فإنه أمر تسليم النفس لحق الله تعالى، أنه يكون آمنا.
[ ص: 293 ] وهذا ليس بتأويل، إنما هو دليل مأخوذ من ظاهر لفظ الخبر، وهو قوله "كان" ومن ظاهر السياق في ذكر الآيات وعد كونه آمنا في جملتها.
فإذا قيل: معناه لا تقتلوا أنتم، فليس ينتظم ذلك في سياق الآية، سيما وهو يضطر إلى الخروج بقطع المير عنه، فهو خائف صباحا ومساء، فكونه آمنا يخالف ذلك.
ويدل على ذلك أن القائل إذا قال: من دخل هذا الموضع كان آمنا، ثم لزمته حدود النفس وعقوبات على الأطراف، فإذا قيل: إنها تستوفى منه، لم يتحقق معنى الأمن مع ذلك، وعد إطلاق لفظ الأمن على كل داخل، مع إيجاب هذه العقوبات عليه مستلزما.
فإذا تقرر ذلك، فكيف تترك العمومات في القصاص والزواجر لهذا الكلام الوارد في معرض الآيات بلفظ الخبر؟
وهل جاز الحبس في الحرم الملتجئ إليه في دين عليه إلا لعموم قوله عليه السلام:
"لي الواجد يحل عرضه وعقوبته".
وهل وجب القصاص في النفس وغيرها، إلا على وجه واحد بقوله تعالى:
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين الآية.
[ ص: 294 ] أولا يعلمون أنه إذا قطعت أطرافه لم تكن آمنة، ولا الداخل آمنا، فإن قطع الطرف يخشى منه هلاك النفس؟