قوله تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم الآية (6) .
واعلم أن كثيرا من العلماء جوزوا إذن الولي للصبي في التجارات وتسليم المال إليه، حتى يتصرف وتبدو بياعاته وتصرفاته، وليس في العلماء من يقول إنه إذا اختبر الصبي فوجد رشيدا ارتفع عنه الولاية، وأنه يجب دفع ماله إليه، وإطلاق يده في التصرف، وذلك يدل على أن الابتلاء في الصبي ليس يفيد العلم المعتبر برشده، فكذلك قال الله تعالى:
وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا .
[ ص: 328 ] فدل ذلك على أن الابتلاء قبل البلوغ لا بدفع المال إليه، ولا بأن يبقى بعقله ورأيه، حتى يزعم بكونه رشيدا، فإنه لو كان كذلك ما توقف وجوب دفع المال على بلوغ النكاح، بل دل على أن الابتلاء قبل البلوغ في أمر الدين والدنيا، بأن يربيه على الخيرات والطاعات، ويندبه إلى المراشد وتأمل التصرفات والتجارات، حتى يكون نشؤه على الخيرات، فإذا بلغ النكاح نفعه ما تقدم من التدريب، ويحصل به إيناس الرشد، وهو إحساس الرشد، مثل قوله تعالى: إني آنست نارا .
يعني أحسستها وأبصرتها، وذلك يدل على أن الذي يجري في الصبي غير موثوق به شرعا، إنما هو توطئة وتمهيد لزمان البلوغ الذي يوثق فيه بإيناس الرشد، فهذا تحقيق لمذهب رضي الله عنه، ويرد على من خالفه، ثم قال الشافعي الشافعي:
ولما قال تعالى: فإن آنستم منهم رشدا ، وهو يقتضي صلاح الدين والدنيا، والفاسق غير رشيد ولا مأمون، وهذا لأن التبذير يتولد من غلبة الهوى، والهوى منشأ الفسق، ولا يؤمن من الفاسق صرف المال إلى المحصور المنكور، وذلك تبذير وإن قل، فإنه لا يكتسب به محمدة في الدنيا والآخرة، والكثير في الطاعات ليس بتبذير، على ما عرف من أقوال السلف رضوان الله عليهم أجمعين، فهذا معنى الآية.