ولما بدأ - سبحانه - بالوعيد؛ لطفا بالمكلفين؛ عطف على "اذهب"؛ قوله - ممثلا حاله في تسلطه على من يغويه بمغوار أوقع بقوم؛ فصوت بهم صوتا؛ يستفزهم من أماكنهم؛ ويقلعهم عن مراكزهم؛ وأجلب عليهم بجنده؛ من خيالة؛ ورجالة؛ حتى استأصلهم -: واستفزز ؛ أي: استخف؛ و"الفز"؛ أصله: القطع؛ أي: استزله بقطعه عن الصواب؛ قاله الرماني؛ من استطعت منهم ؛ وهم الذين سلطناك عليهم؛ بصوتك ؛ أي: دعائك بالغنا؛ والمزامير؛ وكل ما تزينه بالوساوس؛ وأجلب ؛ أي: اجمع؛ أو سق بغاية ما يمكنك من الصياح؛ عليهم بخيلك ؛ أي: ركبان جندك؛ ورجلك ؛ أي: ومشاتهم; والمعنى: افعل جميع ما تقدر عليه؛ ولا تدع شيئا من قوتك؛ فإنك لا تقدر على شيء لم أقدره لك.
ولما كان الشيطان طالبا شركة الناس في جميع أمورهم؛ بوساوسه الحاملة [ ص: 470 ] لهم على إفسادها؛ فإن أطاعوه كانوا طالبين لأن يشركوه؛ وإن كانوا لا شعور لهم بذلك؛ عبر بصيغة المفاعلة؛ فقال (تعالى): وشاركهم ؛ أي: بوثوبك على مخالطتهم عندما يشاركونك بفعل ما يوافق هواك؛ في الأموال ؛ أي: التي يسعون في تحصيلها؛ والأولاد ؛ أي: التي ينسلونها؛ إن اقتنوها بوجه محرم؛ أو لم يذكروا اسمي عليها؛ وكذا قرابينهم لغير الله؛ وإنفاقهم في المحرمات؛ وتعليمهم أولادهم المعاصي؛ والكفر؛ مشاركة فيها؛ وعدهم ؛ من المواعيد الباطلة ما يستخفهم؛ ويغرهم؛ من شفاعة الآلهة؛ والكرامة على الله (تعالى) ؛ وتسويف التوبة؛ ونحو ذلك; ثم التفت إلى الصالحين من عباده؛ فأخبرهم؛ تثبيتا لهم؛ وتنبيها لغيرهم؛ على أنه ليس بيده شيء؛ فقال (تعالى) - مظهرا لضميره؛ بما يدل على تحقيره؛ تقبيحا لأمره؛ وتنفيرا منه -: وما يعدهم الشيطان ؛ أي: المحترق؛ المطرود باللعنة؛ من عدم البعث؛ وطول الأجل؛ وشفاعة الآلهة؛ ونحو ذلك؛ إلا غرورا ؛ و"الغرور": تزيين الخطإ؛ بما يوهم أنه صواب؛