وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا .
قوله تعالى: ( آسجد ) قرأه الكوفيون بهمزتين، وقرأه الباقون بهمزة مطولة، وهذا استفهام إنكار يعني به: لم أكن لأفعل .
قوله تعالى: " لمن خلقت طينا " قال " طينا " منصوب على وجهين: الزجاج:
[ ص: 57 ] أحدهما: التمييز، المعنى: لمن خلقته من طين . والثاني: على الحال، المعنى: أنشأته في حال كونه من طين . ولفظ " قال أرأيتك " جاء هاهنا بغير حرف عطف ; لأن المعنى: قال: آسجد لمن خلقت طينا وأرأيتك ؟ وهي في معنى: أخبرني، والكاف ذكرت في المخاطبة توكيدا، والجواب محذوف، والمعنى: أخبرني عن هذا الذي كرمت علي، لم كرمته علي وقد خلقتني من نار وخلقته من طين ؟ فحذف هذا ; لأن في الكلام دليلا عليه .
قوله تعالى: " لئن أخرتن إلى يوم القيامة " قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمر: ( أخرتني ) بياء في الوصل . ووقف بالياء . وقرأ ابن كثير ابن عامر، وعاصم، وحمزة، بغير ياء في وصل ولا في وقف . والكسائي
قوله تعالى: " لأحتنكن ذريته " فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: لأستولين عليهم، قاله ابن عباس والثاني: لأضلنهم، قاله والفراء . ابن زيد . والثالث: لأستأصلنهم، يقال: احتنك الجراد ما على الأرض: إذا أكله، واحتنك فلان ما عند فلان من العلم: إذا استقصاه، فالمعنى: لأقودنهم كيف شئت، هذا قول ابن قتيبة .
فإن قيل: من أين علم الغيب ؟ فقد أجبنا عنه في سورة ( النساء: 119 ) .
قوله تعالى: " إلا قليلا " قال هم أولياء الله الذين عصمهم . ابن عباس:
قوله تعالى: " قال اذهب " هذا اللفظ يتضمن إنظاره، " فمن تبعك " ; أي: تبع أمرك منهم، يعني: ذرية آدم . والموفور: الموفر . قال يقال: وفرت ماله عليه، ووفرته، بالتخفيف والتشديد . [ ص: 58 ] ابن قتيبة:
قوله تعالى: " واستفزز من استطعت منهم " قال استخف، ومنه تقول: استفزني فلان . ابن قتيبة:
وفي المراد بصوته قولان: أحدهما: أنه كل داع دعا إلى معصية الله، قاله والثاني: أنه الغناء والمزامير، قاله ابن عباس . مجاهد .
قوله تعالى: " وأجلب عليهم " ; أي: صح " بخيلك ورجلك " واحثثهم عليهم بالإغراء، يقال: أجلب القوم وجلبوا: إذا صاحوا . وقال المعنى: اجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك ; فعلى هذا تكون الباء زائدة . قال الزجاج: والرجل: الرجالة، يقال: راجل ورجل، مثل: تاجر وتجر، وصاحب وصحب . قال ابن قتيبة: كل خيل تسير في معصية الله، وكل رجل يسير في معصية الله . وقال ابن عباس: إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس . وروى قتادة: حفص عن ( بخيلك ورجلك ) بكسر الجيم، وهي قراءة عاصم: ابن عباس، وأبي رزين، وأبي عبد الرحمن السلمي . قال يقال: رجل رجل للراجل، ويقال: جاءنا حافيا رجلا . وقرأ أبو زيد: ابن السميفع والجحدري: ( بخيلك ورجالك ) برفع الراء وتشديد الجيم مفتوحة وبألف بعدها . وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، ( ورجالك ) بكسر الراء وتخفيف الجيم مع ألف . وعكرمة:
قوله تعالى: " وشاركهم في الأموال " فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنها ما كانوا يحرمونه من أنعامهم، رواه عطية عن [ ص: 59 ] ابن عباس .
والثاني: الأموال التي أصيبت من حرام، قاله والثالث: التي أنفقوها في معاصي الله، قاله مجاهد . والرابع: ما كانوا يذبحون لآلهتهم، قاله الحسن . الضحاك .
فأما مشاركته إياهم في الأولاد، ففيها أربعة أقوال:
أحدها: أنهم أولاد الزنا، رواه عطية عن وبه قال ابن عباس، سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك .
والثاني: الموؤودة من أولادهم، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .
والثالث: أنه تسمية أولادهم عبيدا لأوثانهم، كعبد شمس، وعبد العزى، وعبد مناف، رواه عن أبو صالح ابن عباس .
والرابع: ما مجسوا وهودوا ونصروا، وصبغوا من أولادهم غير صبغة الإسلام، قاله الحسن وقتادة .
قوله تعالى: " وعدهم " قد ذكرناه في قوله: يعدهم ويمنيهم . . . إلى آخر الآية [ النساء: 120 ] . وهذه الآية لفظها لفظ الأمر، ومعناها التهديد، ومثلها في الكلام أن تقول للإنسان: اجهد جهدك فسترى ما ينزل بك . قال إذا تقدم الأمر نهي عما يؤمر به، فمعناه التهديد والوعيد، تقول للرجل: لا تدخلن هذه الدار، فإذا حاول أن يدخلها قلت: ادخلها وأنت رجل، فلست تأمره بدخولها، ولكنك توعده وتهدده، ومثله: الزجاج: اعملوا ما شئتم [ فصلت: 40 ]، وقد نهوا أن يعملوا بالمعاصي . وقال هذا أمر معناه التهديد، تقديره: إن فعلت هذا عاقبناك وعذبناك، فنقل إلى لفظ الأمر عن الشرط، كقوله: ابن الأنباري: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [ الكهف: 29 ] .
قوله تعالى: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " قد شرحناه في ( الحجر: 42 ) . [ ص: 60 ]
قوله تعالى: " وكفى بربك وكيلا " قال كفى به وكيلا لأوليائه يعصمهم من القبول من إبليس . الزجاج: