[ ص: 232 ] ( فصل ) : ما ذكرتم من لين الكلام والمخاطبة بالتي هي أحسن : فأنتم تعلمون أني من أكثر الناس استعمالا لهذا ، لكن كل شيء في موضعه حسن ، وحيث أمر الله ورسوله بالإغلاظ على المتكلم لبغيه وعدوانه على الكتاب والسنة : فنحن مأمورون بمقابلته ، لم نكن مأمورين أن نخاطبه بالتي هي أحسن .
ومن المعلوم أن الله تعالى يقول : { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } فمن كان مؤمنا فإنه الأعلى بنص القرآن .
وقال : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } وقال : { إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين } { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } والله محقق وعده لمن هو كذلك كائنا من كان .
ومما يجب أن يعلم أنه لا يسوغ في العقل ولا الدين لوجهين : أحدهما : أن هذا غير ممكن . طلب رضا المخلوقين
كما قال الشافعي رضي الله عنه [ رضا ] الناس غاية لا تدرك .
فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه ودع ما سواه ولا تعانه .
والثاني : أنا مأمورون بأن نتحرى رضا الله ورسوله .
كما قال تعالى : [ ص: 233 ] { والله ورسوله أحق أن يرضوه } وعلينا أن نخاف الله فلا نخاف أحدا إلا الله كما قال تعالى : { فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } .
وقال : { فلا تخشوا الناس واخشون } وقال : { فإياي فارهبون } { وإياي فاتقون } .
فعلينا أن نخاف الله ونتقيه في الناس ، فلا نظلمهم بقلوبنا ولا جوارحنا ونؤدي إليهم حقوقهم بقلوبنا وجوارحنا ، ولا نخافهم في الله فنترك ما أمر الله به ورسوله خيفة منهم .
ومن لزم هذه الطريقة كانت العاقبة له كما كتبت عائشة إلى معاوية : " أما بعد : فإنه من التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس وعاد حامده من الناس ذاما ، ومن التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس " .
والعاقبة له ولا حول ولا قوة إلا بالله . فالمؤمن لا تكون فكرته وقصده إلا رضا ربه واجتناب سخطه
هذا مع أن المرسل فرح بهذه الأمور جوانيه في الباطن وكل ما يظهره فإنه مراءاة لقرينه ، وإلا فهما في الباطن متباينان .
وثم أمور تعرفها خاصتهم ، ويكفيك الطيبرسي قد تواتر عنه الفرح والاستبشار بما جرى مع أنه المخاصم المغلظ عليه .
وهذا سواء كان أو لم يكن .
الأصل الذي يجب اتباعه هو الأول وقول النبي " { } " . لا تبدءوهم بقتال وإن أكثبوكم فارموهم بالنبل
على الرأس والعين ولم نرم إلا بعد أن قصدوا شرنا وبعد أن أكثبونا ولهذا نفع الله بذلك .