( باب الأولياء والأكفاء ) شروع في بيان عندنا وهو الولي وله معنى لغوي وفقهي وأصولي فالولي في اللغة خلاف العدو والولاية بالكسر السلطان والولاية النصرة ، وقال ما ليس بشرط لصحة النكاح الولاية بالفتح المصدر والولاية بالكسر الاسم مثل الأمارة والنقابة ; لأنه اسم لما توليته وقمت به فإذا أرادوا المصدر فتحوا كذا في الصحاح وفي الفقه البالغ العاقل الوارث ، فخرج الصبي والمعتوه والكافر على المسلمة . وفي أصول الدين : هو العارف بالله تعالى وبأسمائه وصفاته حسبما يمكن ، المواظب على الطاعات ، المجتنب عن المعاصي ، الغير المنهمك في الشهوات واللذات كما في شرح العقائد والولاية في الفقه تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى سيبويه ولاية ندب واستحباب وهي الولاية على العاقلة البالغة بكرا كانت أو ثيبا وولاية إجبار وهي الولاية على الصغير بكرا كانت أو ثيبا ، وكذا الكبيرة المعتوهة والمرقوقة وهي في النكاح نوعان بالقرابة والملك والولاء والإمامة ، والأكفاء جمع كفء وهو النظير كما في المغرب وسيأتي بيانه ( قوله نفذ وتثبت الولاية بأسباب أربعة ) ; لأنها تصرفت في خالص حقها وهي من أهله لكونها عاقلة بالغة ولهذا كان لها التصرف في المال ولها اختيار الأزواج ، وإنما يطالب الولي بالتزويج كي لا تنسب إلى الوقاحة ولذا كان المستحب في حقها تفويض الأمر إليه والأصل هنا أن نكاح حرة مكلفة بلا ولي وكل من لا يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه لا يجوز نكاحه على نفسه ، ويدل عليه قوله تعالى { كل من يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه يجوز نكاحه على نفسه حتى تنكح } أضاف النكاح إليها ومن السنة حديث { مسلم } وهي من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا ، فأفاد أن فيه حقين حقه وهو مباشرته عقد النكاح برضاها ، وقد جعلها أحق منه ولن تكون أحق إلا إذا زوجت نفسها بغير رضاه الأيم أحق بنفسها من وليها
وأما ما رواه الترمذي وحسنه { } . أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل
وما رواه أبو داود { } فضعيفان أو مختلف في صحتهما فلن يعارضا المتفق على صحته أو الأول محمول على الأمة والصغيرة والمعتوهة أو على غير الكفء ، والثاني محمول على نفي الكمال أو هي ولية نفسها وفائدته نفي لا نكاح إلا بولي كل ذلك لدفع التعارض مع أن الحديث الأول حجة على من لم يعتبر عبارة النساء في النكاح ، فإن مفهومه أنها إذا نكحت بإذن وليها فنكاحها صحيح وهم لا يقولون به ، وأما قوله تعالى { نكاح من لا ولاية له كالكافر للمسلمة والمعتوهة والأمة فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } فالمراد بالعضل المنع حسا بأن يحبسها في بيت ويمنعها من أن تتزوج كما في المبسوط إن كان نهيا للأولياء لا المنع عن العقد بدليل { أن ينكحن } حيث أضاف العقد إليهن وإن كان نهيا للأزواج المطلقين عن المنع عن التزوج بعد العدة كما في المعراج بدليل أنه قال في أول الآية { وإذا طلقتم النساء } فلم يكن حجة أصلا قيده بالحرة احترازا عن وقيده بالمكلفة احترازا عن الصغيرة والمجنونة فإنه لا ينعقد نكاحهما إلا بالولي الأمة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد فإنه لا يجوز نكاحهن إلا بإذن المولى
وأطلقها فشمل البكر والثيب ، وأطلق فشمل الكفء وغيره ، وهذا ظاهر الرواية عن وصاحبيه لكن للولي الاعتراض في غير الكفء وما روي عنهما بخلافه فقد صح رجوعهما إليه أبي حنيفة
وروى الحسن عن [ ص: 118 ] أنه إن كان الزوج كفؤا نفذ نكاحها وإلا فلم ينعقد أصلا وفي المعراج معزيا إلى الإمام قاضي خان وغيره والمختار للفتوى في زماننا رواية الحسن وفي الكافي والذخيرة وبقوله أخذ كثير من المشايخ ; لأنه ليس كل قاض يعدل ولا كل ولي يحسن المرافعة والجثو بين يدي القاضي مذلة فسد الباب بالقول بعدم الانعقاد أصلا ، قال صدر الإسلام لو لا تحل للزوج الأول على ما هو المختار وفي الحقائق هذا مما يجب حفظه لكثرة وقوعه وفي فتح القدير فإن المحلل في الغالب يكون غير كفء زوجت المطلقة ثلاثا نفسها من غير كفء ودخل بها الزوج ثم طلقها
وأما لو باشر الولي عقد المحلل فإنها تحل للأول . ا هـ .
وسيأتي في الكفاءة أن كثيرا من المشايخ أفتوا بظاهر الرواية ، وهذا كله إذا كان لها أولياء أما إذا لم يكن لها ولي فهو صحيح مطلقا اتفاقا ولا يخفى أنه لا يشترط مباشرة الولي للعقد ; لأن رضاه بالزوج كاف لكن لو هل يكفي صارت حادثة للفتوى وينبغي أن لا يكفي ; لأن الرضا بالمجهول لا يصح كما ذكره قال الولي رضيت بتزوجها من غير كفء ولم يعلم بالزواج عينا قاضي خان في فتاويه في مسألة ما إذا استأذنها الولي ولم يسم الزوج ، فقال ; لأن الرضا بالمجهول لا يتحقق ولم أره منقولا صريحا وسيأتي تمامه في الكفاءة إن شاء الله تعالى .