الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وفي المحيط رهن جارية تساوي ألفا بألفين فصارت إلى ألفين بزيادة السعر وولدت ولدا يساوي ألفا يفتكها بألفين ; لأنها لو لم تزد لا يفتكها إلا بألفين ، فإن زادت أولى ، وإذا هلكت هلكت بألفين ; لأن قيمتها يوم العقد ألف والزيادة المتصلة لم يرد عليها عقد ولا قبض مقصود فكان وجودها وعدمها بمنزلة ، وإن أعتقها المولى وهو معسر سعت في الألف ، وكذلك لو أعتقها سعيا في الألف ورجعا بذلك على المولى ورجع المرتهن ببقية دينه ; لأن الراهن لما أعتقهما صار بإعتاق الولد قابضا للولد حكما كالمشتري إذا أعتق المبيع قبل القبض فيقسم الدين عليهما فيسعيان في الألف ; لأنها أقل من قيمتهما يوم العتق ورجعا بذلك على المولى ; لأنهما أديا دينه من خالص ملكهما ; لأنهما يسعيان وهما حران .

                                                                                        ومن أدى دين الغير من خالص ملكه وهو مجبر عليه فعليه الرجوع على من عليه الدين إذا لم يسلم له العوض ، ولم يسلم للعبد ما كان للمرتهن من حق الحبس في العبد ; لأنه لا يحتمل النقل ، وإذا رهن أمة قيمتها ألف بألف فجاءت بولد يساوي ألفا فادعاه الراهن وهو موسر ضمن المال لإتلاف حق المرتهن بالدعوى ، وإن كان معسرا سعت الأمة في نصف المال والولد في نصفه ; لأن في حالة الإعسار لا يجب إلا السعاية وكل واحد منهما صار أصلا الأم بالاستيلاد والولد بالإعتاق ; لأنه بالإعتاق صار مشتريا الولد فيصير الولد أصلا في الرهن كالأم ; لأن الولد لما حدث سرى إليه ما كان في الأم من حق الحبس فصار مرهونا كالأم ، فإن لم يؤد الولد حتى ماتت الأم قبل أن يفرغ من السعاية يسعى في الأقل من قيمته ونصف الدين ولا يزاد عليه شيء بموت الأم ; لأن الولد حدث قبل وجود السعاية على الأم فلا يكون تبعا لها في السعاية ، .

                                                                                        ولو زوج الراهن الأمة المرهونة جاز ولا يقربها الزوج إلا إذا زوجها قبل الرهن ; لأن النكاح لا يتضمن إبطال حق المرتهن ; لأن المرتهن لم يستحق منافعها ولا ضرر على المرتهن في نفاذ النكاح فنفذ وغشيان الزوج يتضمن إبطال حقه في الحبس ; لأنه يستحق حبسها فصار كالمالك في حق الحبس فله منعه عن الوطء وحبسها عنه بخلاف ما قبل الرهن ; لأن الزوج ملك غشيانها قبل الرهن ; لأنه استحق منافع بضعها مطلقا فلا يتمكن المرتهن من إبطال حقه في القربان ، فإن وطئها فولدت وماتت ضمن الراهن قيمتها ; لأنه سلط الزوج على إتلاف حق المرتهن ; لأنه بالنكاح سلطه على الوطء فيجعل وطء الزوج كوطء الراهن ; لأنه حصل بتسليطه ، ولو وطئها الراهن صار مستردا للرهن ولهذا لو زوج الأمة المبيعة قبل القبض صار المشتري قابضا لها فصار كأن التلف حصل في يد الراهن فيضمن .

                                                                                        ولو زوجها ، ثم رهن فوطئها الزوج ، ثم ماتت كانت من مال المرتهن استحسانا لا قياسا ; لأن الوطء حصل بتسليط الراهن فيصير وطؤه كوطء المولى ولهذا يهلك على الراهن إذا زوجها بعد الرهن وجه الاستحسان أن الراهن لم يسلطه على إتلاف حق المرتهن ; لأنه حين زوجها لم يكن حق المرتهن ثابتا فيها بل سلطه على إتلاف حق نفسه فلا يجعل وطؤه كوطء الراهن ولأن الراهن سلطه على الوطء قبل الرهن وبالوطء قبل الرهن لا يصير متلفا حقه ; لأن به لا يصير مستردا للرهن .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية