باب عرفة الطواف بعد
( قال ) قال الله تبارك وتعالى { الشافعي ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } .
( قال ) فاحتملت الآية أن تكون على طواف الوداع ; لأنه ذكر الطواف بعد قضاء التفث واحتملت أن تكون على الطواف بعد الشافعي منى وذلك أنه بعد حلاق الشعر ولبس الثياب والتطيب وذلك قضاء التفث وذلك أشبه معنييها بها ; لأن الطواف بعد منى واجب على الحاج والتنزيل كالدليل على إيجابه والله أعلم ، وليس هكذا طواف الوداع ( قال ) إن كانت نزلت في الطواف بعد " الشافعي منى " دل ذلك على إباحة الطيب ( قال ) أخبرنا الشافعي عن سفيان بن عيينة سليمان الأحول عن عن طاوس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم { ابن عباس بالبيت } أخبرنا لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده سفيان عن عن أبيه عن ابن طاوس قال أمر الناس أن [ ص: 197 ] يكون آخر عهدهم ابن عباس بالبيت إلا أنه أرخص للمرأة الحائض أخبرنا عن مالك عن نافع أنه قال " لا يصدرن أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده ابن عمر بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت " .
( قال ) وبهذا نقول وفي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائض أن تنفر قبل أن تطوف طواف الوداع دلالة على أن الشافعي لا يفسد حجا ، والحج أعمال متفرقة منها شيء إذا لم يعمله الحاج أفسد حجه ، وذلك الإحرام وأن يكون عاقلا للإحرام ترك طواف الوداع وعرفة فأي هذا ترك لم يجزه عنه حجه .
( قال ) ومنها ما إذا تركه لم يحل من كل إحرامه وكان عليه أن يعمله في عمره كله ، وذلك الطواف الشافعي بالبيت والصفا والمروة الذي يحل به إلا النساء وأيهما ترك رجع من بلده وكان محرما من النساء حتى يقضيه ، ومنها ما يعمل في وقت فإذا ذهب ذلك الوقت كله لم يكن له ولا عليه عمله ولا بدله وعليه الفدية مثل المزدلفة والبيتوتة ب " منى " ورمي الجمار ، ومنها ما إذا تركه ثم رجع إليه سقط عنه الدم ولو لم يرجع لزمه الدم وذلك مثل الميقات في الإحرام ومثله - والله أعلم - طواف الوداع ; لأنهما عملان أمر بهما معا فتركهما فلا يتفرقان عندي فيما يجب عليه من الفدية في كل واحد منهما قياسا على مزدلفة ، والجمار والبيتوتة ليالي " منى " ; لأنه نسك قد تركه وقد أخبرنا عن أنه قال " من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما " فإن قال قائل : طواف الوداع طواف مأمور به ، وطواف الإحلال من الإحرام طواف مأمور به وعملان في غير وقت متى جاء بهما العامل أجزأ عنه فلم لم تقس الطواف بالطواف ؟ قيل له بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرق بينهما والدلالة بما لا أعلم فيه مخالفا فإن قال قائل وأين الدلالة ؟ قيل له لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطواف الوداع وأرخص للحائض أن تنفر بلا وداع فاستدللنا على أن الطواف للوداع لو كان كالطواف للإحلال من الإحرام لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للحائض في تركه ألا ترى أن { ابن عباس صفية : أطافت بعد النحر ؟ فقيل : نعم ، فقال : فلتنفر } . رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن
( قال ) وهذا إلزامها المقام للطواف بعد النحر وتخفيف طواف الوداع . الشافعي
( قال ) ولا يخفف ما لا يحل المحرم إلا به أولا ترى أن من الشافعي حل له النساء وهو إذا حل له النساء خارج من أحرم الحج بكمال الخروج ومن خرج من إحرام الحج لم يفسده عليه ما تركه بعده وكيف يفسد ما خرج منه ؟ وهذا يبين أن طاف بعد الجمرة والنحر والحلاق ; لأنه يكون محرما وإن جاوز الميقات وأن من دون الميقات يهل فيجزي عنه ، والشيء المفسد للحج إذا ترك ما لا يجزي أحدا غير فعله وقد يجزي عالما أن يهلوا دون الميقات إذا كان أهلوهم دونه ، ويدل على أن ترك الميقات لا يفسد حجا منى " وترك رمي الجمار لا يفسد الحج ترك البيتوتة ليالي "