( المسألة الثالثة ) قال في تعليقه قال الطرطوشي وأصحابه : مالك كافر يقتل ولا يستتاب سحر مسلما أو ذميا كالزنديق قال الساحر محمد إن أظهره قبلت توبته قال إن أظهره ، ولم يتب فقتل فماله لبيت المال ، وإن استتر فلورثته من المسلمين ، ولا آمرهم بالصلاة عليه فإن فعلوا فهم أعلم . قال : ومن قول علمائنا القدماء لا يقتل حتى يثبت أنه من السحر الذي وصفه الله عز وجل بأنه كفر قال أصبغ يكشف عن ذلك من يعرف حقيقته ، ولا يلي قتله إلا السلطان فإن أصبغ لم يل سيده قتله بل الإمام سحر المكاتب أو العبد سيده فيكون نقضا لعهده فيقتل ، ولا يقبل منه الإسلام [ ص: 152 ] وإن ، ولا يقتل الذمي إلا أن يضر المسلم بسحره فيؤدب إلا أن يقتل أحدا فيقتل به وقال سحر أهل ملته يقتل إلا أن يسلم كالساب وهو خلاف قول سحنون فإن ذهب لمن يعمل له سحرا ، ولم يباشر أدب أدبا شديدا ؛ لأنه لم يكفر ، وإنما ركن للكفرة . مالك
قال عند وتعلمه وتعليمه كفر وقالت الحنفية إن مالك فهو كافر وإن اعتقد أنه تخييل وتمويه لم يكفر وقالت الشافعية يصفه فإن وجدنا فيه ما هو كفر كالتقرب للكواكب ويعتقد أنها تفعل ما يلتمس منها فهو كفر ، وإن لم نجد فيه كفرا فإن اعتقد إباحته فهو كفر قال اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء وهذا متفق عليه ؛ لأن القرآن نطق بتحريمه قالت الشافعية إن الطرطوشي قتل ، وإن قال الغالب منه السلامة فعليه الدية مغلظة في ماله ؛ لأن العاقلة لا تحمل الإقرار . قال سحري يقتل غالبا وقتلت به
وقال إن قال قتلت بسحري لم يجب عليه القود ؛ لأنه لم يقتل بمثقل ، وإن تكرر ذلك منه قتل ؛ لأنه سعى في الأرض بالفساد ، قال أبو حنيفة ودليل المالكية قوله تعالى { الطرطوشي وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } أي بتعلمه { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } ولأنه لا يتأتى إلا ممن يعتقد أنه يقدر به على تغيير الأجسام [ ص: 153 ] والجزم بذلك كفر أو نقول هو علامة الكفر بإخبار الشرع فلو قال الشارع من دخل موضع كذا فهو كافر اعتقدنا كفر الداخل ، وإن لم يكن الدخول كفرا ، وإن أخبرنا هو أنه مؤمن لم نصدقه قال فهذا معنى قول أصحابنا إن السحر كفر أي دليل الكفر لا أنه كفر في نفسه كأكل الخنزير وشرب الخمر النصارى فنحكم بكفر فاعله . والتردد إلى الكنائس في أعياد
وإن لم تكن هذه الأمور كفرا لا سيما وتعلمه لا يتأتى إلا بمباشرته كمن أراد أن يتعلم الزمر أو ضرب العود ، والسحر لا يتم إلا بالكفر كقيامه إذا أراد سحر سلطان لبرج الأسد قائلا خاضعا متقربا له ويناديه يا سيداه يا عظيماه أنت الذي إليك تدين الملوك والجبابرة والأسود أسألك أن تذلل لي قلب فلان [ ص: 154 ] الجبار ، واحتجوا بأن تعلم صريح الكفر ليس بكفر فإن الأصولي يتعلم جميع أنواع الكفر ليحذر منه ، ولا يقدح في شهادته ومأخذه ، فالسحر أولى أن لا يكون كفرا ، ولو لم يأثم قال إنسان إنما تعلمت كيف يكفر بالله لأجتنبه أو كيف الزنا ، وأنواع الفواحش لأجتنبها قلت هذه المسألة في غاية الإشكال على أصولنا فإن السحرة يعتمدون أشياء تأبى قواعد الشريعة تكفيرهم بها كفعل الحجارة المتقدم ذكرها قبل هذه المسألة ، وكذلك يجمعون عقاقير ويجعلونها في الأنهار والآبار أو زير الماء أو في قبور الموتى أو في باب يفتح إلى المشرق أو غير ذلك من البقاع ويعتقدون أن الآثار تحدث عند تلك الأمور بخواص نفوسهم التي طبعها الله تعالى على الربط بينها وبين تلك الآثار [ ص: 155 ] عند صدق العزم فلا يمكننا تكفيرهم بجمع العقاقير ، ولا بوضعها في الآبار ، ولا باعتقادهم حصول تلك الآثار عند ذلك الفعل ؛ لأنهم جربوا ذلك فوجدوه لا ينخرم عليهم لأجل خواص نفوسهم فصار ذلك الاعتقاد كاعتقاد الأطباء حصول الآثار عند شرب العقاقير لخواص طبائع تلك العقاقير [ ص: 156 - 160 ] وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها ؛ لأنها ليست من كسبهم ، ولا كفر بغير مكتسب ، وأما اعتقادهم أن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى فهذا خطأ ؛ لأنها لا تفعل ذلك ، ولا ربط الله تعالى ذلك بها . وإنما [ ص: 161 ] جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله تعالى بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد فيكون ذلك الاعتقاد في الكواكب خطأ كما إذا فإنه خطأ . اعتقد طبيب أن الله تعالى أودع في الصبر والسقمونيا عقل البطن وقطع الإسهال
وأما تكفيره بذلك فلا ، وإن اعتقدوا أن الكواكب تفعل ذلك والشياطين بقدرتها لا بقدرة الله تعالى فقد قال بعض العلماء الشافعية هذا هو مذهب المعتزلة في استقلال الحيوانات بقدرتها دون قدرة الله تعالى فكما لا نكفر المعتزلة بذلك لا نكفر هؤلاء ، ومنهم من فرق بأن الكواكب مظنة العبادة فإن انضم إلى ذلك اعتقاد [ ص: 162 ] القدرة والتأثير كان كفرا ، وأجيب عن هذا الفرق بأن تأثير الحيوان في القتل والضر والنفع في العادة مشاهد من السباع والآدميين وغيرهم ، وأما كون المشترى أو زحل يوجب شقاوة أو سعادة فإنما هو حزر وتخمين من المنجمين لا صحة له وقد عبدت البقر والشجر والحجارة والثعابين فصارت هي الشائبة مشتركة بين الكواكب وغيرها فهو موضع نظر والذي لا مرية فيه أنه كفر إن اعتقد أنها مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى الله تعالى فهذا مذهب الصائبة وهو كفر صريح لا سيما إن صرح بنفي ما عداها [ ص: 163 ] وبهذا البحث يظهر ضعف ما قالته الحنفية من أن أمر الشياطين وغيرهم كفر بل ينبغي لهم أن يفصلوا في هذا الإطلاق فإن الشياطين كانت تصنع لسليمان عليه السلام ما يأمرهم به من محاريب وتماثيل وغير ذلك فإن اعتقد الساحر أن الله عز وجل سخر له بسبب عقاقيره مع خواص نفسه الشياطين صعب القول بتكفيره .
وأما قول الأصحاب إنه علامة الكفر فمشكل ؛ لأنا نتكلم في هذه المسألة باعتبار الفتيا ونحن نعلم أن حال الإنسان في تصديقه لله تعالى ورسله بعد عمل هذه العقاقير كحاله قبل ذلك ، والشرع لا يخبر على خلاف الواقع [ ص: 164 ] فإن أرادوا الخاتمة فمشكل أيضا ؛ لأنا لا نكفر في الحال بكفر واقع في المآل كما أنا لا نجعله مؤمنا في الحال بإيمان واقع في المآل وهو يعبد الأصنام الآن بل الأحكام الشرعية تتبع أسبابها وتحققها لا توقعها وإن قطعنا بوقوعها كما أنا نقطع بغروب الشمس وغير ذلك ، ولا نرتب مسبباتها قبلها ، وأما قول أصحابنا في التردد إلى الكنائس ، وأكل الخنزير وغيره فإنما قضينا بكفره في القضاء دون الفتيا وقد يكون فيما بينه وبين الله تعالى مؤمنا .
فالذي يستقيم في هذه المسألة ما حكاه عن قدماء أصحابنا أنا لا نكفره حتى يثبت أنه من السحر الذي كفر الله به أو يكون سحرا مشتملا على كفر كما قاله الطرطوشي ، وأما قول الشافعي أن تعلمه وتعليمه كفر ففي غاية الإشكال فقد قال مالك وهو من سادات العلماء أنه إذا وقف لبرج الأسد [ ص: 165 ] وحكى القضية إلى آخرها فإن هذا سحر فقد تصوره وحكم عليه بأنه سحر فهذا هو تعلمه فكيف يتصور شيئا لم يعلمه . الطرطوشي
وأما قوله لا يتصور التعلم إلا بالمباشرة كضرب العود فليس كذلك بل كتب السحر مملوءة من تعليمه ، ولا يحتاج إلى ذلك بل هو كتعلم أنواع الكفر الذي لا يكفر به الإنسان كما نقول إن النصارى يعتقدون في عيسى عليه السلام كذا والصابئة يعتقدون في النجوم كذا ونتعلم مذاهبهم ، وما هم عليه على وجهه حتى نرد عليهم ذلك فهو قربة لا كفر ، وقد قال بعض العلماء : إن كان تعلم السحر ليفرق بينه وبين المعجزات كان ذلك قربة وكذلك نقول إن عمل السحر بأمر مباح ليفرق به بين المجتمعين على الزنا أو قطع الطريق بالبغضاء والشحناء أو يفعل ذلك بجيش الكفر فيقتلون به ملكهم هذا كله قربة أو يصنعه محبة بين الزوجين أو [ ص: 166 ] مع جيش الإسلام فتأمل هذه المباحث كلها فالموضع مشكل جدا .
وقول إذا قال صاحب الشرع من دخل الدار فهو كافر قضينا بكفره عند دخول الدار فهو فرض محال ، ولا يخبر صاحب الشرع عن إنسان بالكفر إلا إذا كفر وقولهم هو دليل الكفر ممنوع وقولهم لأن [ ص: 167 ] صاحب الشرع أخبر بذلك في الكتاب العزيز قلنا حمل الآية على ما هو كفر من السحر لا محال فيه غايته دخول التخصيص في العموم بالقواعد وهذا هو شأننا في العمومات . الطرطوشي
وأما التكفير بغير سبب الكفر فهو خلاف القواعد ، ولا شاهد له في الاعتبار ، وأي دليل دلنا على أن تعلم السحر أو تعليمه لا يكون إلا بالكفر وقوله تعالى { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } فالجواب عنه أن قوله { يعلمون الناس السحر } نمنع أنه تفسير لقوله { كفروا } بل إخبار عن حالهم بعد تقرر كفرهم بغير السحر ، وإنما يتم المقصود إذا كانت الجملة الثانية مفسرة للأولى سلمنا أنها مفسرة لها لكن يتعين حمله على أن ذلك السحر كان مشتملا على الكفر وكانت الشياطين تعتقد موجب تلك الألفاظ كالنصراني إذا علم المسلم دينه فإنه يعتقد موجبه ، وأما الأصولي إذا علم تلميذه المسلم دين النصراني ليرد عليه ويتأمل فساد قواعده فلا يكفر المعلم ، ولا المتعلم ، وهذا التقييد على وفق القواعد ، وأما جعل التعلم والتعليم مطلقا كفرا فهو خلاف القواعد ولنقتصر على هذا القدر من التنبيه على غور هذه المسألة .