الهدي وارج ، أن يعتق الله بكل جزء منه جزءا منك من النار فهكذا ورد الوعد وأما ذبح الهدي ، فاعلم أنه تقرب إلى الله تعالى بحكم الامتثال فأكمل
وأما فكلما كان الهدي أكبر وأجزاؤه أوفر كان فداؤك من النار أعم . فإذا وقع بصرك على حيطانها فتذكر أنها البلدة التي اختارها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وجعل إليها هجرته وأنها داره التي شرع فيها فرائض ربه عز وجل وسنته وجاهد عدوه وأظهر بها دينه إلى أن توفاه الله عز وجل ثم جعل تربته فيها وتربة وزيريه القائمين بالحق بعده رضي الله عنهما . زيارة المدينة
ثم مثل في نفسك وأنه ما من موضع قدم تطؤه إلا وهو موضع أقدامه العزيزة فلا تضع قدمك عليه إلا عن سكينة ووجل . مواقع أقدام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تردداته فيها
وتذكر مشيه ، وتخطيه في سككها وتصور خشوعه وسكينته في المشي وما استودع الله سبحانه قلبه من عظيم معرفته ورفعة ذكره مع ذكره تعالى حتى قرنه بذكر نفسه وإحباطه عمل من هتك حرمته ، ولو برفع صوته فوق صوته .
ثم تذكر ما من الله تعالى به على الذين أدركوا صحبته ، وسعدوا بمشاهدته واستماع كلامه وأعظم تأسفك على ما فاتك من صحبته وصحبة أصحابه رضي الله عنهم .
ثم اذكر أنك قد فاتتك رؤيته في الدنيا وأنك من رؤيته في الآخرة على خطر وأنك ربما لا تراه إلا بحسرة ، وقد حيل بينك وبين قبوله إياك بسوء عملك كما قال صلى الله عليه وسلم : يرفع الله إلي أقواما فيقولون : يا محمد ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : بعدا وسحقا فإن تركت حرمة شريعته ولو في دقيقة من الدقائق فلا تأمن أن يحال بينك وبينه بعدولك عن محجته .
وليعظم مع ذلك رجاؤك أن لا يحول الله تعالى بينك وبينه بعد أن رزقك الإيمان وأشخصك من وطنك لأجل زيارته من غير تجارة ولا حظ في دنيا بل لمحض حبك له وشوقك ، إلى أن تنظر إلى آثاره وإلى حائط قبره إذ سمحت نفسك بالسفر بمجرد ذلك لما فاتتك رؤيته فما أجدرك بأن ينظر الله تعالى إليك بعين الرحمة .