القول في وفضيلة العفو والرفق . معنى الحقد ونتائجه
اعلم أن الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقدا ومعنى الحقد أن يلزم قلبه استثقاله ، والبغضة له ، والنفار عنه ، وأن يدوم ذلك ويبقى وقد قال صلى الله عليه وسلم : المؤمن ليس بحقود والحقد يثمر ثمانية أمور ; الأول : الحسد وهو أن يحملك الحقد على أن تتمنى زوال النعمة عنه فتغتم ، بنعمة إن أصابها ، وتسر بمصيبة إن نزلت به ، وهذا من فعل المنافقين ; وسيأتي ذمه إن شاء الله تعالى الثاني : أن يزيد على إضمار الحسد في الباطن وتشمت بما أصابه من البلاء . الثالث : أن تهجره ، وتصارمه ، وتنقطع عنه ، وإن طلبك وأقبل عليك الرابع وهو دونه : أن تعرض عنه استصغارا له الخامس : أن تتكلم فيه بما لا يحل من كذب ، وغيبة ، وإفشاء سر ، وهتك ستر ، وغيره . السادس : أن تحاكيه استهزاء به ، وسخرية منه . السابع : إيذاؤه بالضرب ، وما يؤلم بدنه . الثامن : أن تمنعه حقه من ، قضاء دين ، أو صلة رحم أو رد مظلمة ، وكل ذلك حرام . فالحقد ثمرة الغضب
أن تحترز من الآفات الثمانية المذكورة ، ولا تخرج بسبب الحقد إلى ما تعصي الله به ، ولكن تستثقله في الباطن ، ولا ينتهي قلبك عن بغضه حتى تمتنع عما كنت تطوع به من البشاشة ، والرفق ، والعناية ، والقيام بحاجاته ، والمجالسة معه على ذكر الله تعالى ، والمعاونة على المنفعة له ، أو بترك الدعاء له والثناء ، عليه أو التحريض على بره ، ومواساته ، فهذا كله مما ينقص درجتك في الدين ، ويحول بينك وبين فضل عظيم ، وثواب جزيل ، وإن كان لا يعرضك لعقاب الله . وأقل درجات الحقد
ولما حلف رضي الله عنه أن لا ينفق على مسطح وكان قريبه لكونه تكلم في واقعة الإفك نزل قوله تعالى : أبو بكر ولا يأتل أولو الفضل منكم إلى قوله : ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، فقال نعم : نحب ذلك ، وعاد إلى الإنفاق عليه . أبو بكر
والأولى أن يبقى على ما كان عليه ، فإن أمكنه أن يزيد في الإحسان مجاهدة للنفس وإرغاما للشيطان ، فذلك مقام الصديقين ، وهو من فضائل أعمال المقربين ، فللمحقود ثلاثة أحوال عند القدرة أحدها ; أن يستوفي حقه الذي يستحقه من غير زيادة أو ، نقصان ، وهو العدل الثاني : أن يحسن إليه بالعفو ، والصلة ، وذلك هو الفضل الثالث : أن يظلمه بما لا يستحقه وذلك هو الجور ، وهو اختيار الأراذل والثاني : هو اختيار الصديقين والأول هو منتهى درجات الصالحين ، ولنذكر الآن فضيلة العفو والإحسان .