الصنف الثاني أرباب العبادة والعمل والمغرورون منهم فرق كثيرة فمنهم من غروره في الصلاة ، ومنهم من غروره في تلاوة القرآن ، ومنهم في الحج ، ومنهم في الغزو ، ومنهم في الزهد وكذلك كل مشغول بمنهج من مناهج العمل فليس خاليا عن غرور إلا الأكياس وقليل ما هم .
فمنهم فرقة أهملوا الفرائض واشتغلوا بالفضائل والنوافل وربما ، تعمقوا في الفضائل حتى خرجوا إلى العدوان .
والسرف ، كالذي تغلب عليه الوسوسة في الوضوء فيبالغ فيه ولا يرضى الماء المحكوم بطهارته في فتوى الشرع ، ويقدر الاحتمالات البعيدة قريبة في النجاسة ، وإذا آل الأمر إلى أكل الحلال قدر الاحتمالات القريبة بعيدة ، وربما أكل الحرام المحض ، ولو انقلب هذا الاحتياط من الماء إلى الطعام لكان أشبه بسيرة الصحابة إذ توضأ رضي الله عنه بماء في جرة نصرانية مع ظهور احتمال النجاسة ، وكان مع هذا يدع أبوابا من الحلال مخافة من الوقوع في الحرام . عمر
ثم من هؤلاء من يخرج إلى وذلك منهي عنه . الإسراف في صب الماء ،
وقد يطول الأمر حتى يضيع الصلاة ، ويخرجها عن وقتها ، وإن لم يخرجها أيضا عن وقتها فهو مغرور لما فاته من فضيلة أول الوقت وإن لم يفته فهو مغرور لإسرافه في الماء ، وإن لم يسرف فهو مغرور لتضييعه العمر الذي هو أعز الأشياء فيما له مندوحة عنه إلا أن الشيطان يصد الخلق عن الله بطريق سني ولا يقدر على صد العباد إلا بما يخيل إليهم أنه عبادة فيبعدهم عن الله بمثل ذلك .