النوع الثالث أن يقرر عندهم أن وأن كل ما يصيب العبد من المصائب فهو بسبب جناياته فرب عبد يتساهل في أمر الآخرة ويخاف من عقوبة الله في الدنيا أكثر لفرط جهله فينبغي أن يخوف به ، فإن تعجيل العقوبة في الدنيا متوقع على الذنوب ، في غالب الأمر ، كما حكي في قصة الذنوب كلها يتعجل في الدنيا شؤمها داود وسليمان عليهما السلام حتى إنه قد يضيق على العبد رزقه بسبب ذنوبه ، وقد تسقط منزلته من القلوب ، ويستولي عليه أعداؤه ; قال صلى الله عليه وسلم : وقال إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه : إني لأحسب أن العبد ينسى العلم بالذنب يصيبه وهو معنى قوله عليه السلام : ابن مسعود من قارف ذنبا فارقه عقل لا يعود إليه أبدا وقال بعض السلف : ليست اللعنة سوادا في الوجه ، ونقصا في المال ، إنما اللعنة أن لا تخرج من ذنب إلا وقعت في مثله أو شر منه ، وهو كما قال ; لأن اللعنة هي الطرد والإبعاد ، فإذا لم يوفق للخير ، ويسر له الشر فقد أبعد والحرمان عن رزق التوفيق أعظم حرمان وكل ذنب فإنه يدعو إلى ذنب آخر ويتضاعف فيحرم العبد به عن رزقه النافع من مجالسة العلماء المنكرين للذنوب ، ومن مجالسة الصالحين ، بل يمقته الله تعالى ليمقته الصالحون وحكي عن بعض العارفين أنه كان يمشي في الوحل جامعا ثيابه محترزا عن زلقة رجله حتى زلقت رجله ، وسقط فقام ، وهو يمشي في وسط الوحل ويبكي ويقول هذا مثل العبد لا يزال يتوقى الذنوب ، ويجانبها حتى يقع في ذنب وذنبين فعندها يخوض في الذنوب خوضا وهو إشارة إلى أن ولذلك قال الفضيل ما أنكرت من تغير الزمان ، وجفاء الإخوان فذنوبك ورثتك ذلك وقال بعضهم : إني لأعرف عقوبة ذنبي في سوء خلق حماري وقال آخر : أعرف العقوبة حتى في فأر بيتي وقال بعض الذنب تتعجل عقوبته بالانجرار إلى ذنب آخر ; صوفية الشام نظرت إلى غلام نصراني حسن الوجه فوقفت أنظر إليه فمر بي ابن الجلاء الدمشقي فأخذ بيدي فاستحييت منه ، فقلت : يا أبا عبد الله ، سبحان الله تعجبت من هذه الصورة الحسنة ، وهذه الصنعة المحكمة ، كيف خلقت للنار فغمز يدي ، وقال : لتجدن عقوبتها بعد حين قال : فعوقبت بها بعد ثلاثين سنة وقال الاحتلام عقوبة وقال أبو سليمان الداراني يذنبه وفي الخبر ما أنكرتم من زمانكم فبما غيرتم من أعمالكم وفي الخبر لا يفوت أحدا صلاة جماعة إلا بذنب يقول الله تعالى : إن أدنى ما أصنع بالعبد إذا آثر شهوته على طاعتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي وحكي عن أبي عمرو بن علوان في قصة يطول ذكرها ، قال فيها : كنت قائما ذات يوم أصلي فخار قلبي هوى طاولته بفكرتي حتى تولد منه شهوة الرجال فوقعت إلى الأرض ، واسود جسدي كله ، فاستترت في البيت فلم أخرج ثلاثة أيام وكنت أعالج غسله في الحمام بالصابون فلا يزداد إلا سوادا حتى انكشف بعد ثلاث فلقيت الجنيد وكان قد وجه إلي فأشخصني من الرقة فلما أتيته قال لي أما استحييت من الله تعالى كنت قائما بين يديه ، فساررت نفسك بشهوة حتى استولت عليك برقة ، وأخرجتك من بين يدي الله تعالى ، فلولا أني دعوت الله لك ، وتبت إليه عنك للقيت الله بذلك اللون ، قال : فعجبت كيف علم بذلك ، وهو ببغداد ، وأنا بالرقة .