وأما فقد ذكرهم في سورة المزمل لما نسخ ما كان افترضه من قيام الليل ، فقال : أقسام الأمة إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه [ ص: 79 ] وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله [المزمل :20] ، فأمرهم بقراءة ما تيسر من القرآن ، فإن من المسلمين المعذور بالمرض ، ومنهم التاجر الضارب في الأرض يطلب فضل الله ، ومنهم المقاتل في سبيل الله .
ولهذا كانت أصناف الأمة ثلاثة : أهل القرآن ، وأهل المال ، وأهل السيف ، وكانوا يسمون أهل القرآن «القراء » ، وهم اسم يجمع عندهم لأهل العلم والدين ، فإن العلماء إنما كانوا يتفقهون في القرآن ، والعباد إنما كانوا يتعبدون بالقرآن ، فأهل العلم والكلام لهم ما أنزله الله من العلم والكلام ، وأهل السماع والوجد لهم سماع القرآن والوجد به ، وكان هذا الصنف في السلف شيئا واحدا قبل تفرق الأمة .
ويؤخذ من الآية أن ، كما ثبت في الصحيح عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المريض والمسافر والمجاهد يكتب له مثل ما كان يعمل » . فهذا نص في المسافر والمريض ، وأما المجاهد فأمره أبلغ من هذا ، فإن في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل مثل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم » . «مثل المجاهد [ ص: 80 ] في سبيل الله مثل الصائم القائم القانت الذي لا يفتر في صلاة ولا صيام » . إلى أمثال هذه النصوص . وقال له رجل : أخبرني بعمل يعدل الجهاد في سبيل الله ، قال : «لا تستطيع » ، قال : أخبرني به ، قال : «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم لا تفطر وتقوم لا تفتر ؟ » قال : لا ، قال : «فذلك الذي يعدل الجهاد في سبيل الله
ولما ظهرت الدولة الجاهلية دولة المغل جعلوا العالم كذلك ثلاثة أقسام : أهل السيف وهم المقاتلة ، وأهل المال والصناعات ، ويسمونهم «الصاط » ، وأهل العلم والدين ، ويسمونهم «دانشمند » ، ويدخل في هذا عندهم الفقيه والزاهد ، والقسيس والراهب وعلماء اليهود ، والأطباء والحساب ، وعلماء الصابئة والمشركين من المنجمين والنجسية وغير ذلك . ولما تفرقت الأمة صار من جنس أهل القرآن سائر أنواع أهل العلم والدين ، حتى إنه لما انتشر الأمر صار من جنسهم أهل التكلم في العلم والتعبد من أهل البدع وغيرهم .
وكذلك صار من جنس أهل الجهاد كل حامل سلاح وأعوانهم ، سواء كانوا يقاتلون في سبيل الله أو في سبيل الملوك أو القبائل أو غير ذلك . وكذلك صار من جنس التجار ولاة الأموال الخاصة والمشتركة من الكتاب والوزراء . [ ص: 81 ]