قال وله من العمر خمس وعشرون سنة . ابن إسحاق :
زاد غيره : لأربع عشرة ليلة من ذي الحجة .
وروى ابن سعد وابن السكن عن وأبو نعيم نفيسة بنت منية قالت : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا الأمين لما تكامل فيه من خصال الخير ، قال له أبو طالب : يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وألحت علينا سنون منكرة وليست لنا مادة ولا تجارة ، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام تبعث رجالا من قومك في عيراتها فيتجرون لها في مالها ويصيبون منافع ، فلو جئتها وعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك ، لما يبلغها عنك من طهارتك وإن كنت أكره أن تأتي وخديجة بنت خويلد الشام ، وأخاف عليك من يهود ، ولكن لا تجد من ذلك بدا .
وكانت امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام فيكون عيرها كعامة عير خديجة قريش ، وكانت تستأجر الرجال وتدفع إليهم الأموال مضاربة ، وكانت قريش قوما تجارا ومن لم يكن تاجرا من قريش فليس عندهم بشيء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلعلها ترسل إلي في ذلك . فقال أبو طالب : إني أخاف أن تولي غيرك فتطلب أمرا مدبرا . فافترقا .
وبلغ ما كان من محاورة عمه له وقبل ذلك ما كان من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه ، فقالت : ما علمت أنه يريد هذا . خديجة
ثم أرسلت إليه فقالت : إنه دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك ، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك .
ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم لقي عمه أبا طالب فذكر له ذلك فقال : إن هذا لرزق ساقه الله إليك .
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة ، وقالت خديجة لميسرة : لا تعص له أمرا ولا تخالف له رأيا .
فخرج هو وميسرة وعليه غمامة تظله وجعل عمومته يوصون به أهل العير .
فخرج حتى قدم الشام فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب يقال له نسطورا . فاطلع الراهب إلى ميسرة - وكان يعرفه- فقال : يا ميسرة من هذا الذي نزل [ ص: 159 ] تحت هذه الشجرة؟ فقال ميسرة : رجل من قريش . فقال الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ، أفي عينيه حمرة؟ قال ميسرة : نعم لا تفارقه . فقال الراهب : هو هو ، وهو آخر الأنبياء ، ويا ليت أني أدركه حيث يؤمر بالخروج .
وعند أبي سعد النيسابوري في الشرف : فلما رأى الغمامة فزع وقال : ما أنتم؟ قال :
ميسرة غلام فدنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم سرا من خديجة ، ميسرة وقبل رأسه وقدميه وقال : آمنت بك وأنا أشهد أنك الذي ذكره الله في التوراة . ثم قال : يا محمد قد عرفت فيك العلامات كلها خلا خصلة واحدة فأوضح لي عن كتفك . فأوضح له ، فإذا هو بخاتم النبوة يتلألأ ، فأقبل عليه يقبله ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله النبي الأمي الذي بشر بك عيسى ابن مريم فإنه قال : انتهى . لا ينزل بعدي تحت هذه الشجرة إلا النبي الأمي الهاشمي العربي المكي صاحب الحوض والشفاعة وصاحب لواء الحمد .
فوعى ميسرة ذلك .
ثم حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوق بصرى فباع سلعته التي خرج بها واشترى ، فكان بينه وبين رجل اختلاف في سلعة فقال الرجل : احلف باللات والعزى .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما حلفت بهما قط
. فقال الرجل : القول قولك . ثم قال لميسرة وخلا به : ميسرة هذا نبي هذه الأمة والذي نفسي بيده إنه لهو تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم ، فوعى يا ميسرة ذلك .
ثم انصرف أهل العير جميعا ، وكان ميسرة يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت الهاجرة واشتد الحر ، يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره . وكان الله تعالى قد ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة من ميسرة ، فكأنه عبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعند أبي سعد في «الشرف» أنهم باعوا متاعهم وربحوا ربحا لم يربحوا مثله قط ، فقال ميسرة : يا محمد اتجرنا لخديجة أربعين سنة ما رأيت ربحا قط أكثر من هذا الربح على وجهك .
فلما كانوا بمر الظهران قال ميسرة للنبي صلى الله عليه وسلم : هل لك أن تسبقني إلى فتخبرها بالذي جرى لعلها تزيدك بكرة إلى بكرتيك . فركب النبي صلى الله عليه وسلم قعودا أحمر فتقدم حتى دخل خديجة مكة في ساعة الظهيرة في علية لها معها نساء فيهن وخديجة نفيسة بنت منية فرأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل وهو راكب على بعيره وملكان يظلان عليه فأرته نساءها فعجبن لذلك .
ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخبرها بما ربحوا فسرت بذلك وقالت : أين ميسرة؟
قال : خلفته في البادية .
قالت : عجل إليه ليعجل بالإقبال . وإنما أرادت أن تعلم أهو الذي رأت [ ص: 160 ] أم غيره . فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصعدت تنظر فرأته على الحالة الأولى فاستيقنت أنه هو ، فلما دخل عليها خديجة ميسرة أخبرته بما رأت وأخبرها بقول الراهب نسطورا وبقول الآخر الذي خالفه في البيع .
قال فلما رأت ابن إسحاق : أن تجارتها قد ربحت أضعفت له ما سمت . خديجة
وكانت قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وكان ابن عمها وكان نصرانيا قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس ، ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب وما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه ، فقال ورقة : يا إن خديجة محمدا لنبي هذه الأمة وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر ، هذا زمانه . أو كما قال :
وجعل ورقة يستبطئ الأمر وله في ذلك أشعار منها ما رواه عن يونس بن بكير ابن إسحاق :
أتبكر أم أنت العشية رائح وفي الصدر من إضمارك الحزن فادح لفرقة قوم لا أحب فراقهم
كأنك عنهم بعد يومين نازح وأخبار صدق خبرت عن محمد
يخبرها عنه إذا غاب ناصح فتاك الذي وجهت يا خير حرة
بغور وبالنجدين حيث الصحاصح إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت
وهن من الأحمال قعص دوالح فخبرنا عن كل حبر بعلمه
وللحق أبواب لهن مفاتح بأن ابن عبد الله أحمد مرسل
إلى كل من ضمت عليه الأباطح وظني به أن سوف يبعث صادقا
كما أرسل العبدان هود وصالح وموسى وإبراهيم حتى يرى له
بهاء ومنشور من الذكر واضح ويتبعه حيا لؤي بن غالب
شبابهم والأشيبون الجحاجح فإن أبق حتى يدرك الناس أمره
فإني به مستبشر الود فارح وإلا فإني يا فاعلمي خديجة
عن أرضك في الأرض العريضة نازح
لججت وكنت في الذكرى لجوجا لهم طالما بعث النشيجا
[ ص: 161 ] ووصف من بعد وصف فقد طال انتظاري يا خديجة خديجا
ببطن المكتين على رجائي حديثك أن أرى منه خروجا
بما أخبرتنا من قول قس من الرهبان أكره أن يعوجا
بأن محمدا سيسود قوما ويخصم من يكون له حجيجا
ويظهر في البلاد ضياء نور يقيم به البرية أن تموجا
فيلقى من يحاربه خسارا ويلقى من يسالمه فلوجا
فيا ليتي إذا ما كان ذاكم شهدت فكنت أولهم ولوجا
ولوجا في الذي كرهت قريش ولو عجت بمكتها عجيجا
أرجي بالذي كرهوا جميعا إلى ذي العرش إن سفلوا عروجا
وهل أمر السفاهة غير كفر بمن يختار من سمك البروجا
فإن يبقوا وأبق تكن أمور يضج الكافرون لها ضجيجا
وإن أهلك فكل فتى سيلقى من الأقدار متلفة خروجا