الذين في موضع رفع على الابتداء ، وخبره قوله تعالى : من بعد ما أصابهم القرح . ويجوز أن يكون في موضع خفض ، بدلا من المؤمنين ، أو من الذين لم يلحقوا . استجابوا بمعنى أجابوا والسين والتاء زائدتان . ومنه قوله :
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وفي الصحيحين عن عروة بن الزبير قال : قالت لي عائشة رضي الله عنها : كان أبوك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح . لفظ مسلم . وعنه عن عائشة : الزبير وأبا بكر - من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح . وقالت : لما انصرف المشركون من أحد وأصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ما أصابهم خاف [ ص: 261 ] أن يرجعوا فقال : ( من ينتدب لهؤلاء حتى يعلموا أن بنا قوة ) قال فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين ; فخرجوا في آثار القوم ، فسمعوا بهم وانصرفوا بنعمة من الله وفضل . وأشارت يا ابن أختي كان أبواك - تعني عائشة رضي الله عنها إلى ما جرى في غزوة حمراء الأسد ، وهي على نحو ثمانية أميال من المدينة ; وذلك أنه لما كان في يوم الأحد ، وهو الثاني من يوم أحد ، نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس باتباع المشركين ، وقال : ( لا يخرج معنا إلا من شهدها بالأمس ) فنهض معه مائتا رجل من المؤمنين . في فقال : ( البخاري أبو بكر والزبير على ما تقدم ، حتى بلغ حمراء الأسد ، مرهبا للعدو ; فربما كان فيهم المثقل بالجراح لا يستطيع المشي ولا يجد مركوبا ، فربما يحمل على الأعناق ; وكل ذلك امتثال لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورغبة في الجهاد . وقيل : إن الآية نزلت في رجلين من من يذهب في إثرهم ) فانتدب منهم سبعون رجلا . قال : كان فيهم بني عبد الأشهل كانا مثخنين بالجراح ; يتوكأ أحدهما على صاحبه ، وخرجا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فلما وصلوا حمراء الأسد ، لقيهم نعيم بن مسعود فأخبرهم أن ومن معه من أبا سفيان بن حرب قريش قد جمعوا جموعهم ، وأجمعوا رأيهم على أن يأتوا إلى المدينة فيستأصلوا أهلها ; فقالوا ما أخبرنا الله عنهم : حسبنا الله ونعم الوكيل " . وبينا قريش قد أجمعوا على ذلك إذ جاءهم معبد الخزاعي ، وكانت خزاعة حلفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وعيبة نصحه ، وكان قد رأى حال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وما هم عليه ; ولما رأى عزم قريش على الرجوع ليستأصلوا أهل المدينة احتمله خوف ذلك ، وخالص نصحه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على أن خوف قريشا بأن قال لهم : قد تركت محمدا وأصحابه بحمراء الأسد في جيش عظيم ، قد اجتمع له من كان تخلف عنه ، وهم قد تحرقوا عليكم ; فالنجاء النجاء ! فإني أنهاك عن ذلك ، فوالله لقد حملني ما رأيت أن قلت فيه أبياتا من الشعر . قال : وما قلت ؟ قال : قلت :كادت تهد من الأصوات راحلتي إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تردي بأسد كرام لا تنابلة عند اللقاء ولا ميل معازيل
فظلت عدوا أظن الأرض مائلة لما سموا برئيس غير مخذول
فقلت ويل ابن حرب من لقائكم إذا تغطمطت البطحاء بالخيل
[ ص: 262 ] إني نذير لأهل البسل ضاحية لكل ذي إربة منهم ومعقول
من جيش أحمد لا وخش قنابله وليس يوصف ما أنذرت بالقيل