لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد
لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ذكر تعالى قبيح قول الكفار ولا سيما اليهود . وقال أهل التفسير : لما أنزل الله من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال قوم من قوله تعالى : اليهود - منهم حيي بن أخطب ; في قول الحسن . وقال عكرمة وغيره : هو فنحاص بن عازوراء - إن الله فقير ونحن أغنياء يقترض منا . وإنما قالوا هذا تمويها على ضعفائهم ، لا أنهم يعتقدون هذا ; لأنهم أهل كتاب . ولكنهم كفروا بهذا القول ; لأنهم أرادوا تشكيك الضعفاء منهم ومن المؤمنين ، وتكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - . أي إنه فقير على قول محمد - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه اقترض منا .
سنكتب ما قالوا سنجازيهم عليه . وقيل : سنكتبه في صحائف أعمالهم ، أي نأمر الحفظة بإثبات قولهم حتى يقرءوه يوم القيامة في كتبهم التي يؤتونها ; حتى يكون أوكد [ ص: 276 ] للحجة عليهم . وهذا كقوله : وإنا له كاتبون . وقيل : مقصود الكتابة الحفظ ، أي سنحفظ ما قالوا لنجازيهم . " وما " في قوله ما قالوا في موضع نصب " بسنكتب " . وقرأ الأعمش وحمزة " سيكتب " بالياء ; فيكون " ما " اسم ما لم يسم فاعله . واعتبر حمزة ذلك بقراءة ابن مسعود : " ويقال ذوقوا عذاب الحريق " .
وقتلهم الأنبياء بغير حق أي ونكتب قتلهم الأنبياء ، أي رضاءهم بالقتل . والمراد قتل أسلافهم الأنبياء ; لكن لما رضوا بذلك صحت الإضافة إليهم . وحسن رجل عند قوله تعالى : الشعبي ، قتل عثمان - رضي الله عنه - فقال له الشعبي : شركت في دمه . فجعل الرضا بالقتل قتلا ; - رضي الله عنه - .
قلت : وهذه مسألة عظمى ، حيث يكون الرضا بالمعصية معصية . وقد روى أبو داود عن العرس بن عميرة الكندي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : . وهذا نص . قوله تعالى : بغير حق تقدم معناه في البقرة . ونقول ذوقوا عذاب الحريق أي يقال لهم في جهنم ، أو عند الموت ، أو عند الحساب هذا . ثم هذا القول من الله تعالى ، أو من الملائكة ; قولان . وقراءة إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة فأنكرها - كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها ابن مسعود " ويقال " . والحريق اسم للملتهبة من النار ، والنار تشمل الملتهبة وغير الملتهبة .
ذلك بما قدمت أيديكم أي ذلك العذاب بما سلف من الذنوب . وخص الأيدي بالذكر ليدل على تولي الفعل ومباشرته ; إذ قد يضاف الفعل إلى الإنسان بمعنى أنه أمر به ; كقوله : يذبح أبناءهم وأصل " أيديكم " أيديكم فحذفت الضمة لثقلها ، والله أعلم . قوله تعالى :