يقول - تعالى ذكره - : ألم تر يا محمد أن الله أنزل من السماء غيثا فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها : يقول : فسقيناه أشجارا في الأرض فأخرجنا به من تلك الأشجار ثمرات مختلفا ألوانها ; منها الأحمر ومنها الأسود والأصفر ، وغير ذلك من ألوانها ( ومن الجبال جدد بيض وحمر ) يقول - تعالى ذكره - : ومن الجبال طرائق ، وهي الجدد ، وهي الخطط تكون في الجبال بيض وحمر وسود ، كالطرق واحدتها جدة ، ومنه قول امرئ القيس في صفة حمار :
كأن سراته وجدة متنه كنائن يجري فوقهن دليص
يعني بالجدة : الخطة السوداء تكون في متن الحمار .
وقوله ( مختلف ألوانها ) يعني : مختلف ألوان الجدد ( وغرابيب سود ) وذلك من المقدم الذي هو بمعنى التأخير ، وذلك أن العرب تقول : هو أسود غربيب ، إذا وصفوه بشدة السواد ، وجعل السواد هاهنا صفة للغرابيب .
[ ص: 462 ] وقوله ( ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك ) كما من الثمرات والجبال مختلف ألوانه بالحمرة والبياض والسواد والصفرة ، وغير ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة في قوله ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ) أحمر وأخضر وأصفر ( ومن الجبال جدد بيض ) أي : طرائق بيض ( وحمر مختلف ألوانها ) أي : جبال حمر وبيض ( وغرابيب سود ) هو الأسود يعني لونه كما اختلف ألوان هذه اختلف ألوان الناس والدواب والأنعام كذلك .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( ومن الجبال جدد بيض ) طرائق بيض وحمر وسود ، وكذلك الناس مختلف ألوانهم .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي قال : ثنا مروان ، عن جويبر عن الضحاك قوله ( ومن الجبال جدد بيض ) قال : هي طرائق حمر وسود .
إنما يخشى الله من عباده العلماء ) يقول - تعالى ذكره - : إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته العلماء ، بقدرته على ما يشاء من شيء ، وأنه يفعل ما يريد ، لأن من علم ذلك أيقن بعقابه على معصيته ; فخافه ورهبه خشية منه أن يعاقبه . وقوله (
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا عبد الله قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) قال : الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير .
[ ص: 463 ] حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) قال : كان يقال : كفى بالرهبة علما .
وقوله ( إن الله عزيز غفور ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله عزيز في انتقامه ممن كفر به غفور لذنوب من آمن به وأطاعه .