[ ص: 272 ] [ ص: 273 ] [ ص: 274 ] [ ص: 275 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم ( 1 ) )
يعني - تعالى ذكره - بقوله ( يا أيها الذين آمنوا ) : يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله ، وبنبوة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) يقول : لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم ، قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله ، فتقضوا بخلاف أمر الله وأمر رسوله ، محكي عن العرب : فلان يقدم بين يدي إمامه ، بمعنى يعجل بالأمر والنهي دونه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم بالبيان عن معناه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) يقول : لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) . . . الآية قال : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن [ ص: 276 ] أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قال : لا تفتاتوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء حتى يقضيه الله على لسانه .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون : لو أنزل في كذا لوضع كذا وكذا ، قال : فكره الله - عز وجل - ذلك ، وقدم فيه .
وقال الحسن : أناس من المسلمين ذبحوا قبل صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر ، فأمرهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعيدوا ذبحا آخر .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قال : إن أناسا كانوا يقولون : لو أنزل في كذا ، لو أنزل في كذا ، وقال الحسن : هم قوم نحروا قبل أن يصلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيدوا الذبح .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) يعني بذلك في القتال ، وكان من أمورهم لا يصلح أن يقضى إلا بأمره ما كان من شرائع دينهم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله - جل ثناؤه - : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قال : لا تقطعوا الأمر دون الله ورسوله .
وحدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان [ ص: 277 ] ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قال : لا تقضوا أمرا دون رسول الله ، وبضم التاء من قوله ( لا تقدموا ) قرأ قراء الأمصار ، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها ، لإجماع الحجة من القراء عليها ، وقد حكي عن العرب قدمت في كذا ، وتقدمت في كذا ، فعلى هذه اللغة لو كان قيل : ( لا تقدموا ) بفتح التاء كان جائزا .
وقوله ( واتقوا الله إن الله سميع عليم ) يقول : وخافوا الله أيها الذين آمنوا في قولكم ، أن تقولوا ما لم يأذن لكم به الله ولا رسوله ، وفي غير ذلك من أموركم ، وراقبوه ، إن الله سميع لما تقولون ، عليم بما تريدون بقولكم إذا قلتم ، لا يخفى عليه شيء من ضمائر صدوركم ، وغير ذلك من أموركم وأمور غيركم .