يحيى بن خالد
ابن برمك الوزير الكبير أبو علي الفارسي .
من رجال الدهر حزما ورأيا وسياسة وعقلا ، وحذقا بالتصرف ، ضمه المهدي إلى ابنه الرشيد ليربيه ، ويثقفه ، ويعرفه الأمور ، فلما استخلف ، رفع قدره ، ونوه باسمه ، وكان يخاطبه : يا أبي ، ورد إليه مقاليد الوزارة ، [ ص: 90 ] وصير أولاده ملوكا ، وبالغ في تعظيمهم إلى الغاية مدة ، إلى أن قتل ولده جعفر بن يحيى ، فسجنه ، وذهبت دولة البرامكة ، كما ذكرنا في ترجمة جعفر .
قال الأصمعي : سمعت يحيى يقول : الدنيا دول ، والمال عارية ، ولنا بمن قبلنا أسوة ، وفينا لمن بعدنا عبرة .
قال إسحاق الموصلي : كانت صلات يحيى لمن تعرض له إذا ركب مائتي درهم ، فقال لي أبي : شكوت إلى يحيى ضيقا ، فقال : كيف أصنع ؟ ما عندي شيء ، لكن أدلك على أمر ، فكن فيه رجلا ، جاءني وكيل صاحب مصر ، يطلب أن أستهدي منه شيئا ، فأبيت ، فألح ، وقد بلغني أنك أعطيت في جارية لك ثلاثة آلاف دينار ، فهو ذا أستهديه إياها وأخبره أنها قد أعجبتني فلا تنقصها عن ثلاثين ألف دينار ، قال ، فوالله ما شعرت ، إلا والرجل يسومني الجارية ، فبذل فيها عشرين ألف دينار ، فضعف قلبي عن ردها ، فلما صرت إلى الوزير ، قال : إنك لكذا ، كنت صبرت ، وهذا خليفة صاحب فارس ، قد جاءني في مثل هذا ، فخذ جاريتك ، فإذا ساومك ، لا تنقصها من خمسين ألف دينار ، قال : فجاءني ، فلنت ، وبعتها بثلاثين ألفا ، فلما صرت إلى الوزير ، قال : ألم تؤدبك الأولى عن الثانية خذ جاريتك إليك . فقلت : قد أفدت بها خمسين ألف دينار ، أشهدك أنها حرة ، وأني قد تزوجتها .
قيل : إن أولاد يحيى قالوا له - وهم في القيود مسجونين - : يا أبة ! صرنا بعد العز إلى هذا ! قال : يا بني دعوة مظلوم غفلنا عنها ، لم يغفل الله عنها . [ ص: 91 ]
مات يحيى بن خالد في سجن الرقة سنة تسعين ومائة وله سبعون سنة .
وكان أبوه أحد الأعيان المذكورين .