[ ص: 83 ] سلمان الفارسي قصة
قال ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، قال : حدثني سلمان الفارسي ، قال : كنت رجلا من أهل فارس من أهل أصبهان ، من قرية يقال لها جي ، وكان أبي دهقان أرضه ، وكان يحبني حبا شديدا ، لم يحبه شيئا من ماله ولا ولده ، فما زال به حبه إياي حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية ، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها ، فلا أتركها تخبو ساعة ، فكنت لذلك لا أعلم من أمر الناس شيئا إلا ما أنا فيه ، حتى بنى أبي بنيانا له ، وكانت له ضيعة فيها بعض العمل ، فدعاني فقال : أي بني ، إنه قد شغلني ما ترى من بنياني عن ضيعتي هذه ، ولا بد لي من اطلاعها ، فانطلق إليها فمرهم بكذا وكذا ، ولا تحتبس علي فإنك إن احتبست عني شغلني ذلك عن كل شيء . فخرجت أريد ضيعته ، فمررت بكنيسة للنصارى ، فسمعت أصواتهم فقلت : ما هذا ؟ قالوا : النصارى ، فدخلت فأعجبني حالهم ، فوالله ما زلت جالسا عندهم حتى غربت الشمس ، وبعث أبي في طلبي في كل وجه حتى جئته حين أمسيت ، ولم أذهب إلى ضيعته فقال : أين كنت ؟ قلت : مررت بالنصارى ، فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم ، فجلست أنظر كيف يفعلون . قال : أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم . فقلت : لا والله ما هو بخير من دينهم ، هؤلاء قوم يعبدون الله ، ويدعونه ويصلون له ، ونحن نعبد نارا نوقدها [ ص: 84 ] بأيدينا ، إذا تركناها ماتت . فخاف فجعل في رجلي حديدا وحبسني ، فبعثت إلى النصارى فقلت : أين أصل هذا الدين الذي أراكم عليه ؟ فقالوا : بالشام . فقلت : فإذا قدم عليكم من هناك ناس فآذنوني . قالوا : نفعل . فقدم عليهم ناس من تجارتهم فآذنوني بهم ، فطرحت الحديد من رجلي ولحقت بهم ، فقدمت معهم الشام ، فقلت : من أفضل أهل هذا الدين ؟ قالوا : الأسقف صاحب الكنيسة . فجئته فقلت : إني قد أحببت أن أكون معك في كنيستك ؟ وأعبد الله فيها معك ، وأتعلم منك الخير . قال : فكن معي . قال : فكنت معه ، فكان رجل سوء ، يأمر بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوها له اكتنزها ولم يعطها المساكين ، فأبغضته بغضا شديدا ، لما رأيت من حاله ، فلم ينشب أن مات ، فلما جاءوا ليدفنوه قلت لهم : هذا رجل سوء ، كان يأمركم بالصدقة ويكنزها . قالوا : وما علامة ذلك ؟ قلت : أنا أخرج إليكم كنزه ، فأخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا ، فلما رأوا ذلك قالوا : والله لا يدفن أبدا ، فصلبوه ورموه بالحجارة ، وجاءوا برجل فجعلوه مكانه ، ولا والله يا ابن عباس ، ما رأيت رجلا قط لا يصلي الخمس ، أرى أنه أفضل منه ، وأشد اجتهادا ، ولا أزهد في الدنيا ، ولا أدأب ليلا ونهارا ، وما أعلمني أحببت شيئا قط قبله حبه ، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة ، فقلت : قد حضرك ما ترى من أمر الله فماذا تأمرني وإلى من توصيني ؟ قال لي : أي بني ، والله ما أعلمه إلا بالموصل ، فأته فإنك ستجده على مثل حالي .
فلما مات لحقت بالموصل ، فأتيت صاحبها فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهد ، فقلت له : إن فلانا أوصى بي إليك . قال : فأقم أي بني ، فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة ، فقلت : إن فلانا أوصى بي إليك ، وقد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصيني ؟ قال : والله ما أعلمه إلا رجلا بنصيبين . فلما دفناه لحقت [ ص: 85 ] بالآخر ، فأقمت عنده على مثل حالهم ، حتى حضره الموت فأوصى بي إلى رجل من عمورية بالروم ، فأتيته فوجدته على مثل حالهم ، فأقمت عنده واكتسبت حتى كانت لي غنيمة وبقيرات ، ثم احتضر فكلمته ، فقال : أي بني والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه ، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم ، مهاجره بين حرتين ، أرض سبخة ذات نخل ، وإن فيه علامات لا تخفى ، بين كتفيه خاتم النبوة ، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل ، فإنه قد أظلك زمانه .
فلما واريناه أقمت حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب ، فقلت لهم : تحملوني إلى أرض العرب ، وأنا أعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي ؟ قالوا : نعم . فأعطيتهم إياها وحملوني ، حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني فباعوني عبدا من رجل يهودي بوادي القرى ، فوالله لقد رأيت النخل ، وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي ، وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة فابتاعني ، فخرج بي حتى قدمنا المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفت نعتها فأقمت في رقي .
بمكة لا يذكر لي شيء من أمره ، مع ما أنا فيه من الرق ، حتى قدم قباء ، وأنا أعمل لصاحبي في نخله ، فوالله إني لفيها ، إذ جاء ابن عم له فقال : يا فلان ، قاتل الله بني قيلة ، والله إنهم الآن مجتمعون على رجل جاء من مكة ، يزعمون أنه نبي . فوالله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني العرواء - يقول الرعدة - حتى ظننت لأسقطن على صاحبي ، ونزلت أقول : ما هذا الخبر ؟ فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة ، وقال : مالك ولهذا ، أقبل على عملك . فقلت : لا شيء ، إنما سمعت خبرا فأحببت أن أعلمه ، فلما أمسيت وكان عندي شيء من طعام ، فحملته وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فقلت له : بلغني [ ص: 86 ] أنك رجل صالح ، وأن معك أصحابا لك غرباء ، وقد كان عندي شيء للصدقة ، فرأيتكم أحق من بهذه البلاد فهاكها فكل منه ، فأمسك وقال لأصحابه : كلوا ، فقلت في نفسي هذه واحدة ، ثم رجعت وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فجمعت شيئا ثم جئته به ، فقلت : هذا هدية ، فأكل وأكل أصحابه ، فقلت : هذه خلتان ، ثم جئته وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي ، وهو في أصحابه ، فاستدرت لأنظر إلى الخاتم ، فلما رآني استدبرته عرف أني أستثبت شيئا وصف لي ، فوضع رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه ، كما وصف لي صاحبي ، فأكببت عليه أقبله وأبكي ، فقال : تحول يا سلمان هكذا . فتحولت ، فجلست بين يديه ، وأحب أن يسمع أصحابه حديثي عنه ، فحدثته يا ابن عباس كما حدثتك . فلما فرغت قال : " كاتب يا سلمان " . فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له وأربعين أوقية ، فأعانني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل ثلاثين ودية وعشرين ودية وعشر ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقر لها ، فإذا فرغت فآذني حتى أكون أنا الذي أضعها بيدي . ففقرتها وأعانني أصحابي ، يقول : حفرت لها حيث توضع حتى فرغنا منها ، وخرج معي ، فكنا نحمل إليه الودي فيضعه بيده ويسوي عليها ، فوالذي بعثه ما مات منها ودية واحدة . وبقيت علي الدراهم ، فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل البيضة من الذهب فقال : أين الفارسي ؟ فدعيت له فقال : خذ هذه فأد بها ما عليك . قلت : يا رسول الله ، وأين تقع هذه مما علي ؟ قال : فإن الله سيؤدي بها عنك ، فوالذي نفس سلمان بيده ، لوزنت لهم منها أربعين أوقية فأديتها إليهم وعتق سلمان . وحبسني الرق حتى فاتتني بدر وأحد ، ثم شهدت الخندق ، ثم لم يفتني معه مشهد . وبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 87 ] قوله : قطن النار : جمع قاطن ، أي : مقيم عندها ، أو هو مصدر كرجل صوم وعدل .
وقال وغيره ، عن يونس بن بكير ابن إسحاق : حدثني قال : حدثني من سمع عاصم بن عمر بن قتادة ، عمر بن عبد العزيز ، قال : وجدت هذا من حديث سلمان ، قال : حدثت سلمان : أن صاحب عمورية قال له لما احتضر : ائت غيضتين من أرض الشام ، فإن رجلا يخرج من إحداهما إلى الأخرى في كل سنة ليلة ، يعترضه ذوو الأسقام ، فلا يدعو لأحد به مرض إلا شفي ، فسله عن هذا الدين دين إبراهيم . فخرجت حتى أقمت بها سنة ، حتى خرج تلك الليلة ، وإنما كان يخرج مستجيزا ، فخرج وغلبني عليه الناس ، حتى دخل في الغيضة ، حتى ما بقي إلا منكبه ، فأخذت به فقلت : رحمك الله ! الحنيفية دين إبراهيم ؟ فقال : تسأل عن شيء ما سأل عنه الناس اليوم ، قد أظلك نبي يخرج عند أهل هذا البيت بهذا الحرم ، ويبعث بسفك الدم . فلما ذكر ذلك سلمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد رأيت حواري عيسى ابن مريم " . عن
وقال مسلمة بن علقمة المازني : حدثنا عن داود بن أبي هند ، عن سماك بن حرب ، سلامة العجلي ، قال : جاء ابن أخت لي من البادية يقال له قدامة ، فقال : أحب أن ألقى سلمان الفارسي فأسلم عليه ، فخرجنا إليه فوجدناه بالمدائن ، وهو يومئذ على عشرين ألفا ، ووجدناه على سرير يسف خوصا فسلمنا عليه ، فقلت : يا أبا عبد الله هذا ابن أخت لي قدم علي من البادية ، فأحب أن يسلم عليك . قال : وعليه السلام [ ص: 88 ] ورحمة الله وبركاته . قلت : يزعم أنه يحبك . قال : أحبه الله . فتحدثنا وقلنا : يا أبا عبد الله ، ألا تحدثنا عن أصلك ؟ قال : أما أصلي فأنا من أهل رامهرمز ، كنا قوما مجوسا ، فأتى رجل نصراني من أهل الجزيرة كانت أمه منا ، فنزل فينا واتخذ فينا ديرا وكنت من كتاب الفارسية ، فكان لا يزال غلام معي في الكتاب يجيء مضروبا يبكي ، قد ضربه أبواه ، فقلت له يوما : ما يبكيك ؟ قال : يضربني أبواي . قلت : ولم يضربانك ؟ فقال : آتي صاحب هذا الدير ، فإذا علما ذلك ضرباني ، وأنت لو أتيته سمعت منه حديثا عجبا . قلت : فاذهب بي معك ، فأتيناه ، فحدثنا عن بدء الخلق وعن الجنة والنار ، فحدثنا بأحاديث عجب ، فكنت أختلف إليه معه ، وفطن لنا غلمان من الكتاب ، فجعلوا يجيئون معنا ، فلما رأى ذلك أهل القرية أتوه ، فقالوا : يا هناه إنك قد جاورتنا فلم تر من جوارنا إلا الحسن ، وإنا نرى غلماننا يختلفون إليك ، ونحن نخاف أن تفسدهم علينا ، اخرج عنا . قال : نعم . فقال لذلك الغلام الذي كان يأتيه : اخرج معي . قال : لا أستطيع ذلك . قلت : أنا أخرج معك ، وكنت يتيما لا أب لي ، فخرجت معه ، فأخذنا جبل رامهرمز ، فجعلنا نمشي ونتوكل ، ونأكل من ثمر الشجر ، فقدمنا نصيبين ، فقال لي صاحبي : يا سلمان ، وإن ههنا قوما هم عباد أهل الأرض ، فأنا أحب أن ألقاهم . قال : فجئناهم يوم الأحد ، وقد اجتمعوا ، فسلم عليهم صاحبي ، فحيوه وبشوا به ، وقالوا : أين كانت غيبتك ؟ فتحدثنا ، ثم قال : قم يا سلمان ، فقلت : لا ، دعني مع هؤلاء . قال : إنك لا تطيق ما يطيقون ، هؤلاء يصومون من الأحد إلى الأحد ، ولا ينامون هذا الليل . وإذا فيهم رجل من أبناء الملوك ترك الملك ودخل في العبادة ، فكنت فيهم حتى أمسينا ، فجعلوا يذهبون واحدا واحدا إلى غاره الذي يكون فيه ، فلما أمسينا قال ذاك الرجل الذي من أبناء الملوك : هذا الغلام ما تضيعوه ليأخذه رجل [ ص: 89 ] منكم . فقالوا : خذه أنت ، فقال لي : هلم ، فذهب بي إلى غاره ، وقال لي : هذا خبز وهذا أدم فكل إذا غرثت ، وصم إذا نشطت ، وصل ما بدا لك ، ونم إذا كسلت . ثم قام في صلاته فلم يكلمني ، فأخذني الغم تلك السبعة الأيام لا يكلمني أحد ، حتى كان الأحد ، وانصرف إلي ، فذهبنا إلى مكانهم الذي يجتمعون فيه في الأحد ، فكانوا يفطرون فيه ، ويلقى بعضهم بعضا ويسلم بعضهم على بعض ، ثم لا يلتقون إلى مثله ، قال : فرجعنا إلى منزلنا فقال لي مثل ما قال أول مرة ، ثم لم يكلمني إلى الأحد الآخر ، فحدثت نفسي بالفرار فقلت : اصبر أحدين أو ثلاثة فلما كان الأحد واجتمعوا ، قال لهم : إني أريد بيت المقدس . فقالوا : ما تريد إلى ذلك ؟ قال : لا عهد لي به . قالوا : إنا نخاف أن يحدث بك حدث فيليك غيرنا . قال : فلما سمعته يذكر ذاك خرجت ، فخرجنا أنا وهو ، فكان يصوم من الأحد إلى الأحد ، ويصلي الليل كله ، ويمشي بالنهار ، فإذا نزلنا قام يصلي ، فأتينا بيت المقدس ، وعلى الباب مقعد يسأل فقال : أعطني . قال : ما معي شيء . فدخلنا بيت المقدس ، فلما رأوه بشوا إليه واستبشروا به ، فقال لهم : غلامي هذا فاستوصوا به ، فانطلقوا بي فأطعموني خبزا ولحما ، ودخل في الصلاة ، فلم ينصرف إلى الأحد الآخر ، ثم انصرف . فقال : يا سلمان إني أريد أن أضع رأسي ، فإذا بلغ الظل مكان كذا فأيقظني . فبلغ الظل الذي قال : فلم أوقظه مأواة له مما دأب من اجتهاده ونصبه ، فاستيقظ مذعورا ، فقال : يا سلمان ، ألم أكن قلت لك : إذا بلغ الظل مكان كذا فأيقظني ؟ قلت : بلى ، ولكن إنما منعني مأواة لك من دأبك . قال : ويحك إني أكره أن يفوتني شيء من الدهر لم أعمل لله فيه خيرا ، ثم قال : اعلم أن أفضل دين اليوم النصرانية . قلت : ويكون بعد اليوم دين أفضل من النصرانية - كلمة ألقيت على لساني - قال : نعم ، يوشك أن يبعث نبي يأكل الهدية [ ص: 90 ] ولا يأكل الصدقة ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، فإذا أدركته فاتبعه وصدقه . قلت : وإن أمرني أن أدع النصرانية ؟ قال : نعم فإنه نبي ، لا يأمر إلا بحق ولا يقول إلا حقا ، والله لو أدركته ثم أمرني أن أقع في النار لوقعتها .
ثم خرجنا من بيت المقدس ، فمررنا على ذلك المقعد ، فقال له : دخلت فلم تعطني ، وهذا تخرج فأعطني ، فالتفت فلم ير حوله أحدا ، قال : أعطني يدك . فأخذه بيده ، فقال : قم بإذن الله ، فقام صحيحا سويا ، فتوجه نحو أهله فأتبعته بصري تعجبا مما رأيت ، وخرج صاحبي مسرعا وتبعته ، فتلقاني رفقة من كلب ، فسبوني فحملوني على بعير وشدوني وثاقا ، فتداولني البياع حتى سقطت إلى المدينة ، فاشتراني رجل من الأنصار ، فجعلني في حائط له ومن ثم تعلمت عمل الخوص ، أشتري بدرهم خوصا فأعمله فأبيعه بدرهمين ، فأنفق درهما ، أحب أن آكل من عمل يدي . وهو يومئذ أمير على عشرين ألفا . قال : فبلغنا ونحن بالمدينة أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أن الله أرسله ، فمكثنا ما شاء الله أن نمكث ، فهاجر إلينا ، فقلت : لأجربنه ، فذهبت فاشتريت لحم جزور بدرهم ، ثم طبخته ، فجعلت قصعة من ثريد ، فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي حتى وضعتها بين يديه . فقال : " أصدقة أم هدية ؟ قلت : صدقة . فقال لأصحابه : " كلوا بسم الله " وأمسك ولم يأكل ، فمكثت أياما ، ثم اشتريت لحما فأصنعه أيضا وأتيته به ، فقال : ما هذه ؟ قلت : هدية . فقال لأصحابه : " كلوا بسم الله " وأكل معهم . قال : فنظرت فرأيت بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة ، فأسلمت ، ثم قلت له : يا رسول الله أي قوم النصارى ؟ قال : " لا خير فيهم " . ثم سألته بعد أيام قال : " لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم " . قلت في نفسي : فأنا والله أحبهم ، قال : وذاك حين بعث السرايا وجرد السيف ، فسرية تدخل وسرية تخرج ، والسيف يقطر . قلت يحدث بي الآن أني أحبهم ، فيبعث [ ص: 91 ] فيضرب عنقي ، فقعدت في البيت ، فجاءني الرسول ذات يوم فقال : يا سلمان أجب . قلت : هذا والله الذي كنت أحذر . فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسم وقال : " أبشر يا سلمان فقد فرج الله عنك " ثم تلا علي هؤلاء الآيات : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ( 52 ) ) إلى قوله : ( أولئك يؤتون أجرهم مرتين ( 54 ) ) [ القصص ] قلت : والذي بعثك بالحق ، لقد سمعته يقول : لو أدركته فأمرني أن أقع في النار لوقعتها .
هذا حديث منكر غريب ، والذي قبله أصح ، وقد تفرد مسلمة بهذا وهو ممن احتج به مسلم ، ووثقه ابن معين ، وأما فضعفه ، رواه أحمد بن حنبل قيس بن حفص الدارمي شيخ البخاري عنه .
وقال عبد الله بن عبد القدوس : حدثنا عبيد المكتب ، قال : أخبرنا أبو الطفيل ، قال : حدثني سلمان ، قال : كنت من أهل جي ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق ، فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء ، فقيل لي : إن الدين الذي تطلب بالمغرب ، فخرجت حتى أتيت الموصل ، فسألت عن أفضل رجل بها ، فدللت على رجل في صومعة ، ثم ذكر نحوه . كذا قال قال : وقال في آخره : الطبراني ، فقلت لصاحبي : بعني نفسي . قال : على أن تنبت لي مائة نخلة ، فإذا نبتن جئتني بوزن نواة من ذهب . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : اشتر نفسك بالذي سألك ، وائتني بدلو من ماء النهر التي كنت تسقي منها ذلك النخل . قال : فدعا لي ، ثم سقيتها ، فوالله لقد غرست مائة فما غادرت منها نخلة إلا نبتت ، [ ص: 92 ] فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن النخل قد نبتن ، فأعطاني قطعة من ذهب ، فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان ، ووضع في الجانب الآخر نواة ، قال : فوالله ما استعلت القطعة الذهب من الأرض ، قال : وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فأعتقني .
قال : أخبرنا علي بن عاصم ، حاتم بن أبي صغيرة ، عن عن سماك بن حرب ، زيد بن صوحان ، أن رجلين من أهل الكوفة كانا صديقين ولهما إخاء ، وقد أحبا أن يسمعا حديثك كيف أول إسلامك ؟ قال : فقال سلمان : كنت يتيما من رامهرمز ، وكان ابن دهقان رامهرمز يختلف إلى معلم يعلمه ، فلزمته لأكون في كنفه ، وكان لي أخ أكبر مني ، وكان مستغنيا في نفسه ، وكنت غلاما فقيرا ، فكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظه ، فإذا تفرقوا خرج فتقنع بثوبه ، ثم يصعد الجبل متنكرا ، فقلت . لم لا تذهب بي معك ؟ فقال : أنت غلام وأخاف أن يظهر منك شيء . قلت : لا تخف . قال : فإن في هذا الجبل قوما في برطيل ، لهم عبادة يزعمون أنا عبدة النيران ، وأنا على غير دين ، فأستأذن لك . قال : فاستأذنهم ثم واعدني وقال : اخرج في وقت كذا ، ولا يعلم بك أحد ، فإن أبي إن علم بهم قتلهم . قال : فصعدنا إليهم . قال علي - وأراه قال - وهم ستة أو سبعة . قال : وكان الروح قد خرجت منهم من العبادة يصومون النهار ، ويقومون الليل ، يأكلون الشجر وما وجدوا ، فقعدنا إليهم ، فذكرنا الحديث بطوله ، وفيه : أن الملك شعر بهم ، فخرجوا ، وصحبهم سلمان إلى الموصل ، واجتمع بعابد من بقايا أهل الكتاب ، فذكر من عبادته وجوعه شيئا مفرطا ، وأنه صحبه إلى بيت [ ص: 93 ] المقدس ، فرأى مقعدا فأقامه ، فحملت على المقعد أثاثه ليسرع إلى أهله ، فانملس مني صاحبي ، فتبعت أثره ، فلم أظفر به ، فأخذني ناس من كلب وباعوني ، فاشترتني امرأة من الأنصار ، فجعلتني في حائط لها وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتراني أبو بكر فأعتقني .
وهذا الحديث يشبه حديث مسلمة المازني ، لأن الحديثين يرجعان إلى سماك ، ولكن قال هنا عن زيد بن صوحان ، فهو منقطع ، فإنه لم يدرك زيد بن صوحان ، ضعيف كثير الوهم ، والله أعلم . وعلي بن عاصم
عمرو العنقزي : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي قرة الكندي ، عن سلمان ، قال : كان أبي من الأساورة فأسلمني الكتاب ، فكنت أختلف ومعي غلامان ، فإذا رجعا دخلا على راهب أو قس ، فدخلت معهما ، فقال لهما ، ألم أنهكما أن تدخلا علي أحدا . فكنت أختلف حتى كنت أحب إليه منهما ، فقال لي : يا سلمان ، إني أحب أن أخرج من هذه الأرض . قلت : وأنا معك . فأتى قرية فنزلها ، وكانت امرأة تختلف إليه ، فلما حضر قال : احفر عند رأسي ، فحفرت فاستخرجت جرة من دراهم ، فقال : ضعها على صدري ، فجعل يضرب بيده على صدره ويقول : ويل للقنائين! قال : ومات فاجتمع القسيسون والرهبان ، وهممت أن أحتمل المال ، ثم إن الله عصمني ، فقلت للرهبان ، فوثب شباب من أهل القرية ، فقالوا : هذا مال أبينا كانت سريته تختلف إليه ، فقلت لأولئك : دلوني على عالم أكون معه . قالوا : ما نعلم أحدا أعلم من راهب بحمص . فأتيته فقال : ما جاء بك إلا طلب العلم . قلت : نعم . قال : فإني لا أعلم أحدا أعلم من رجل يأتي بيت [ ص: 94 ] المقدس كل سنة في هذا الشهر . فانطلقت فوجدت حماره واقفا ، فخرج فقصصت عليه ، فقال : اجلس ههنا حتى أرجع إليك . فذهب فلم يرجع إلى العام المقبل ، فقال : وإنك لههنا بعد ؟ قلت : نعم . قال : فإني لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يخرج بأرض تيماء وهو نبي وهذا زمانه ، وإن انطلقت الآن وافقته ، وفيه ثلاث : خاتم النبوة ، ولا يأكل الصدقة ، ويأكل الهدية . وذكر الحديث .
وقال ابن لهيعة : حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، قال : حدثني السلم بن الصلت ، عن عن أبي الطفيل ، سلمان ، قال : كنت رجلا من أهل جي مدينة أصبهان ، فأتيت رجلا يتحرج من كلام الناس ، فسألته : أي الدين أفضل ؟ قال : ما أعلم أحدا غير راهب بالموصل ، فذهبت إليه . وذكر الحديث ، وفيه : فأتيت حجازيا ، فقلت : تحملني إلى المدينة ؟ قال : ما تعطيني ؟ قلت : أنا لك عبد . فلما قدمت جعلني في نخله ، فكنت أستقي كما يستقي البعير حتى دبر ظهري وصدري من ذلك ، ولا أجد أحدا يفقه كلامي ، حتى جاءت عجوز فارسية تستقي ، فقلت لها : أين هذا الرجل الذي خرج ؟ فدلتني عليه ، فجمعت تمرا وجئت فقربته إليه . وذكر الحديث .