نهاوند
وقال النهاس بن قهم عن القاسم بن عوف الشيباني ، عن السائب بن الأقرع ، قال : زحف للمسلمين زحف لم ير مثله قط ، زحف لهم [ ص: 127 ] أهل ماه وأهل أصبهان وأهل همذان والري وقومس ونهاوند وأذربيجان ، قال : فبلغ عمر رضي الله عنه فشاور المسلمين ، فقال علي ، رضي الله عنه : أنت أفضلنا رأيا وأعلمنا بأهلك . فقال : لأستعملن على الناس رجلا يكون لأول أسنة يلقاها ، يا سائب اذهب بكتابي هذا إلى النعمان بن مقرن ، فيسر بثلثي أهل الكوفة ، وليبعث إلى أهل البصرة ، وأنت على ما أصابوا من غنيمة ، فإن قتل النعمان فحذيفة الأمير ، فإن قتل حذيفة ، فإن قتل ذلك الجيش فلا أراك . فجرير بن عبد الله
وروى علقمة بن عبد الله المزني ، عن معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان فأيتهن يبدأ ، فقال : يا أمير المؤمنين أصبهان الرأس ، وفارس وأذربيجان الجناحان ، فإن قطعت أحد الجناحين مال الرأس بالجناح الآخر ، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان ، فدخل عمر المسجد فوجد النعمان بن مقرن يصلي فسرحه وسرح معه ، الزبير بن العوام ، وحذيفة بن اليمان ، والمغيرة بن شعبة وعمرو بن معد يكرب ، ، والأشعث بن قيس ، فسار حتى أتى وعبد الله بن عمر نهاوند ، فذكر الحديث إلى أن قال النعمان لما التقى الجمعان : إن قتلت فلا يلوي علي أحد ، وإني داعي الله بدعوة فأمنوا ، ثم دعا : اللهم ارزقني الشهادة بنصر المسلمين والفتح عليهم ، فأمن القوم ، وحملوا فكان النعمان أول صريع .
وروى خليفة بإسناد ، قال : التقوا بنهاوند يوم الأربعاء فانكشفت مجنبة المسلمين اليمنى شيئا ، ثم التقوا يوم الخميس فثبتت الميمنة وانكشف أهل الميسرة ، ثم التقوا يوم الجمعة فأقبل النعمان يخطبهم ويحضهم على الحملة ، ففتح الله عليهم .
[ ص: 128 ] وقال زياد الأعجم : قدم علينا أبو موسى بكتاب عمر إلى عثمان بن أبي العاص : أما بعد ؛ فإني قد أمددتك بأبي موسى ، وأنت الأمير فتطاوعا والسلام . فلما طال إصطخر بعث حصار عثمان بن أبي العاص عدة أمراء فأغاروا على الرساتيق .
وقال ابن جرير في نهاوند : لما انتهى وقعة النعمان إلى نهاوند في جيشه طرحوا له حسك الحديد ، فبعث عيونا فساروا لا يعلمون ، فزجر بعضهم فرسه وقد دخل في حافره حسكة ، فلم يبرح ، فنزل فإذا الحسك ، فأقبل بها ، وأخبر النعمان ، فقال النعمان : ما ترون ؟ فقالوا : تقهقر حتى يروا أنك هارب فيخرجوا في طلبك ، فتأخر النعمان ، وكنست الأعاجم الحسك وخرجوا ، فعطف عليهم النعمان وعبأ كتائبه وخطب الناس ، وقال : إن أصبت فعليكم حذيفة ، فإن أصيب فعليكم جرير البجلي ، وإن أصيب فعليكم ، فوجد قيس بن مكشوح المغيرة في نفسه إذ لم يستخلفه ، قال : وخرجت الأعاجم وقد شدوا أنفسهم في السلاسل لئلا يفروا ، وحمل عليهم المسلمون ، فرمي النعمان بسهم فقتل ، ولفه أخوه سويد بن مقرن في ثوبه وكتم قتله حتى فتح الله عليهم ، ودفع الراية إلى حذيفة .
وقتل الله ذا الحاجب ، يعني مقدمهم ، وافتتحت نهاوند ، ولم يكن للأعاجم بعد ذلك جماعة .
وبعث عمر السائب بن الأقرع مولى ثقيف - وكان كاتبا حاسبا - فقال : إن فتح الله على الناس فاقسم عليهم فيئهم واعزل الخمس ، قال السائب : فإني لأقسم بين الناس إذ جاءني أعجمي ، فقال : أتؤمنني على [ ص: 129 ] نفسي وأهلي على أن أدلك على كنز يكون لك ولصاحبك ؟ قلت : نعم . وبعثت معه رجلا ، فأتى بسفطين عظيمين ليس فيهما إلا الدر والزبرجد واليواقيت ، قال : فاحتملتهما معي ، وقدمت على يزدجرد عمر بهما ، فقال : أدخلهما بيت المال ، ففعلت ورجعت إلى الكوفة سريعا ، فما أدركني رسول عمر إلا بالكوفة ، أناخ بعيره على عرقوب بعيري ، فقال : الحق بأمير المؤمنين ، فرجعت حتى أتيته ، فقال : ما لي ولابن أم السائب ، وما لابن أم السائب ولي ، قلت : وما ذاك ؟ قال : والله ما هو إلا أن نمت ، فباتت ملائكة تسحبني إلى ذينك السفطين يشتعلان نارا ، يقولون : " لنكوينك بهما " فأقول : " إني سأقسمهما بين المسلمين " فخذهما عني لا أبا لك فالحق بهما فبعهما في أعطية المسلمين وأرزاقهم ، قال : فخرجت بهما حتى وضعتهما في مسجد الكوفة ، وغشيني التجار ، فابتاعهما مني عمرو بن حريث بألفي ألف درهم ، ثم خرج بهما إلى أرض العجم فباعهما بأربعة آلاف ألف ، فما زال أكثر أهل الكوفة مالا .