وقال الواقدي : حدثني وغيره ، عن ابن جريج عمرو ، عن جابر ، أن المصريين لما أقبلوا يريدون عثمان دعا عثمان محمد بن مسلمة ، فقال : اخرج إليهم فارددهم وأعطهم الرضا ، وكان رؤساؤهم أربعة : عبد الرحمن بن عديس ، وسودان بن حمران ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، وابن البياع ، فأتاهم ابن مسلمة ، فلم يزل حتى رجعوا ، فلما كانوا بالبويب رأوا جملا عليه ميسم الصدقة ، فأخذوه ، فإذا غلام لعثمان ، ففتشوا متاعه ، فوجدوا قصبة من رصاص ، فيها كتاب في جوف الإداوة في الماء : إلى أن افعل بفلان كذا ، وبفلان كذا ، من القوم الذين شرعوا في قتل عبد الله بن سعد بن أبي سرح عثمان ، فرجع القوم [ ص: 195 ] ثانية ونازلوا عثمان وحصروه .
قال الواقدي : فحدثني عبد الله بن الحارث ، عن أبيه ، قال : أنكر عثمان أن يكون كتب ذلك الكتاب ، وقال : فعل ذلك بلا أمري .
وقال أبو نضرة ، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد ، فذكر طرفا من الحديث ، إلى أن قال : ثم رجعوا راضين ، فبينما هم بالطريق ظفروا برسول إلى عامل مصر أن يصلبهم ويفعل ويفعل ، فردوا إلى المدينة ، فأتوا عليا فقالوا : ألم تر إلى عدو الله ، فقم معنا ، قال : والله لا أقوم معكم ، قالوا : فلم كتبت إلينا ؟ قال : والله ما كتبت إليكم ، فنظر بعضهم إلى بعض ، وخرج علي من المدينة ، فانطلقوا إلى عثمان ، فقالوا : أكتبت فينا بكذا ؟ فقال : إنما هما اثنان ، تقيمون رجلين من المسلمين - يعني شاهدين - أو يمين بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا علمت ، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم على الخاتم . فقالوا : قد أحل الله دمك ، ونقض العهد والميثاق ، وحصروه في القصر .
وقال ابن سيرين : إن عثمان بعث إليهم عليا ، فقال : تعطون كتاب الله وتعتبون من كل ما سخطتم ، فأقبل معه ناس من وجوههم ، فاصطلحوا على خمس : على أن المنفي يقلب ، والمحروم يعطى ، ويوفر الفيء ، ويعدل في القسم ، ويستعمل ذو الأمانة والقوة ، كتبوا ذلك في كتاب ، وأن يردوا ابن عامر إلى البصرة وأبا موسى إلى الكوفة .
[ ص: 196 ] وقال أبو الأشهب ، عن الحسن ، قال : لقد رأيتهم تحاصبوا في المسجد حتى ما أبصر السماء ، وإن رجلا رفع مصحفا من حجرات النبي صلى الله عليه وسلم ثم نادى : ألم تعلموا أن محمدا قد برئ ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعا .
وقال سلام : سمعت الحسن ، قال : خرج عثمان يوم الجمعة ، فقام إليه رجل ، فقال : أسألك كتاب الله ، فقال : ويحك ، أليس معك كتاب الله ، قال : ثم جاء رجل آخر فنهاه ، وقام آخر ، وآخر ، حتى كثروا ، ثم تحاصبوا حتى لم أر أديم السماء .
وروى بشر بن شغاف ، عن عبد الله بن سلام ، قال : بينما عثمان يخطب ، فقام رجل فنال منه ، فوذأته فاتذأ ، فقال رجل : لا يمنعك مكان ابن سلام أن تسب نعثلا ، فإنه من شيعته ، فقلت له : لقد قلت القول العظيم في الخليفة من بعد نوح .
وذأته : زجرته وقمعته . وقالوا لعثمان " نعثلا " تشبيها له برجل مصري اسمه نعثل كان طويل اللحية ، والنعثل : الذكر من الضباع ، وكان عمر يشبه بنوح في الشدة .
وقال ابن عمر : بينما عثمان يخطب إذ قام إليه جهجاه الغفاري ، فأخذ من يده العصا فكسرها على ركبته ، فدخلت منها شظية في ركبته ، فوقعت فيها الأكلة .
وقال غيره : ثم إنهم أحاطوا بالدار وحصروه ، فقال سعد بن إبراهيم ، عن أبيه : سمعت عثمان يقول : إن وجدتم في الحق أن تضعوا رجلي في القيود فضعوهما .
[ ص: 197 ] وقال ثمامة بن حزن القشيري : شهدت الدار وأشرف عليهم عثمان ، فقال : ائتوني بصاحبيكم الذين ألباكم ، فدعيا له ، كأنهما جملان أو حماران ، فقال : أنشدكما الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء عذب غير بئر رومة ، فقال : " " فاشتريتها ، وأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من الماء المالح ؟ قالا : اللهم نعم . قال : أنشدكما الله والإسلام ، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يشتريها فيكون دلوه كدلاء المسلمين ، وله في الجنة خير منها بخير له منها في الجنة " فاشتريتها وزدتها في المسجد ، وأنتم تمنعوني اليوم أن أصلي فيها ؟ قالا : اللهم نعم . قال : أنشدكما الله ، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير من يشتري بقعة مكة ، فتحرك وعليه أبو بكر وعمر وأنا ، فقال : " " ؟ قالا : اللهم نعم ، فقال : الله أكبر ؛ شهدا ورب اسكن فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان الكعبة أني شهيد .
ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن بنحوه ، وزاد فيه أنه جهز جيش العسرة ، ثم قال : ولكن طال عليكم أمري فاستعجلتم ، وأردتم خلع سربال سربلنيه الله ، وإني لا أخلعه حتى أموت أو أقتل .