قال : إني لمع أبو أمامة بن سهل بن حنيف عثمان وهو [ ص: 198 ] محصور ، فكنا ندخل إليه مدخلا - إذا دخل إليه الرجل - سمع كلام من على البلاط ، فدخل يوما فيه وخرج إلينا وهو متغير اللون ، فقال : إنهم يتوعدوني بالقتل ، فقلنا : يكفيكهم الله .
وقال سهل السراج ، عن الحسن ، قال عثمان : لئن قتلوني لا يقاتلون عدوا جميعا أبدا ، ولا يقتسمون فيئا جميعا أبدا ، ولا يصلون جميعا أبدا .
وقال مثله عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أبي ليلى الكندي ، وزاد فيه : ثم أرسل إلى ، فقال : ما ترى ؟ فقال : الكف الكف ، فإنه أبلغ لك في الحجة ، فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم ، رضي الله عنه وأرضاه . عبد الله بن سلام
وقال الحسن : حدثني وثاب ، قال : بعثني عثمان ، فدعوت له الأشتر ، فقال : ما يريد الناس ؟ قال : إحدى ثلاث : يخيرونك بين الخلع ، وبين أن تقتص من نفسك ، فإن أبيت فإنهم قاتلوك ، فقال : ما كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله ، وبدني ما يقوم لقصاص .
وقال حميد بن هلال : حدثنا عبد الله بن مغفل ، قال : كان عبد الله بن سلام يجيء من أرض له على حمار يوم الجمعة ، فلما هاجوا بعثمان قال : يا أيها الناس لا تقتلوا عثمان ، واستعتبوه ، فوالذي نفسي بيده ما قتلت أمة نبيها فصلح ذات بينهم حتى يهريقوا دم سبعين ألفا ، وما قتلت أمة خليفتها فيصلح الله بينهم حتى يهريقوا دم أربعين ألفا ، وما هلكت أمة حتى يرفعوا القرآن على السلطان ، قال : فلم ينظروا فيما قال وقتلوه ، فجلس على طريق علي بن أبي طالب ، فقال له : لا تأت العراق [ ص: 199 ] والزم منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده لئن تركته لا تراه أبدا ، فقال من حول علي : دعنا نقتله ، قال : دعوا عبد الله بن سلام ، فإنه رجل صالح .
قال عبد الله بن مغفل : كنت استأمرت في أرض أشتريها ، فقال بعد ذلك : هذه رأس أربعين سنة ، وسيكون بعدها صلح فاشترها ، قيل عبد الله بن سلام لحميد بن هلال : كيف ترفعون القرآن على السلطان ؟ قال : ألم تر إلى الخوارج كيف يتأولون القرآن على السلطان ؟
ودخل ابن عمر على عثمان وهو محصور ، فقال : ما ترى ؟ قال : أرى أن تعطيهم ما سألوك من وراء عتبة بابك غير أن لا تخلع نفسك ، فقال : دونك عطاءك وكان واجدا عليه فقال : ليس هذا يوم ذاك ، ثم خرج ابن عمر إليهم فقال : إياكم وقتل هذا الشيخ ، والله لئن قتلتموه لم تحجوا البيت جميعا أبدا ، ولم تجاهدوا عدوكم جميعا أبدا ، ولم تقتسموا فيئكم جميعا أبدا إلا أن تجتمع الأجساد والأهواء مختلفة ، ولقد رأيتنا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون نقول : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان . رواه عاصم بن محمد العمري ، عن أبيه ، عن ابن عمر .
وعن أبي جعفر القارئ ، قال : كان المصريون الذين حصروا عثمان ستمائة : رأسهم كنانة بن بشر ، وابن عديس البلوي ، وعمرو بن الحمق ، والذين قدموا من الكوفة مئتين ، رأسهم ، والذين قدموا من الأشتر النخعي البصرة مائة ، رأسهم حكيم بن جبلة ، وكانوا يدا واحدة في الشر ، وكانت حثالة من الناس قد ضووا إليهم ، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين خذلوه كرهوا الفتنة وظنوا أن الأمر لا يبلغ قتله ، فلما قتل ندموا على ما ضيعوا في أمره ، ولعمري لو قاموا أو قام بعضهم فحثا في [ ص: 200 ] وجوه أولئك التراب لانصرفوا خاسئين .
وقال الزبير بن بكار : حدثني محمد بن الحسن ، قال : لما كثر الطعن على عثمان تنحى علي إلى ماله بينبع ، فكتب إليه عثمان : أما بعد ؛ فقد بلغ الحزام الطبيين ، وخلف السيل الزبى ، وبلغ الأمر فوق قدره ، وطمع في الأمر من لا يدفع عن نفسه :
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل وإلا فأدركني ولما أمزق
والبيت لشاعر من عبد القيس : الطبي : موضع الثدي من الخيل .وقال محمد بن جبير بن مطعم : لما حصر عثمان أرسل إلى علي : إن ابن عمك مقتول ، وإنك مسلوب .
وعن ، قال : لما ألحوا على أبان بن عثمان عثمان بالرمي ، خرجت حتى أتيت عليا ، فقلت : يا عم أهلكتنا الحجارة ، فقام معي ، فلم يزل يرمي حتى فتر منكبه ، ثم قال : يا بن أخي ، اجمع حشمك ، ثم يكون هذا شأنك .