لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا الفاء في قوله : فقاتل قيل : هي متعلقة بقوله : ومن يقاتل في سبيل الله [ النساء : 74 ] إلخ ; أي : من أجل هذا فقاتل ، وقيل : متعلقة بقوله : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله [ النساء : 75 ] فقاتل ، وقيل : هي جواب شرط محذوف يدل عليه السياق تقديره : إذا كان الأمر ما ذكر من عدم طاعة المنافقين فقاتل ، أو إذا أفردوك وتركوك فقاتل .
قال : أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالجهاد وإن قاتل وحده ; لأنه قد ضمن له النصر . قال الزجاج ابن عطية : هذا ظاهر اللفظ ، إلا أنه لم يجئ في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة ، فالمعنى والله أعلم : أنه خطاب له في اللفظ ، وفي المعنى له ولأمته ; أي : أنت يا محمد وكل واحد من أمتك يقال له فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك أي : لا تكلف غير نفسك ولا تلزم فعل غيرك ، وهو استئناف مقرر لما قبله ؛ لأن اختصاص تكليفه بفعل نفسه من موجبات مباشرته للقتال وحده ، وقرئ ( لا تكلف ) بالجزم على النهي ، وقرئ بالنون .
قوله : وحرض المؤمنين أي : حضهم على القتال والجهاد ، يقال : حرضت فلانا على كذا : إذا أمرته به ، وحارض فلان على الأمر وأكب عليه وواظب عليه بمعنى واحد . قوله : عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا فيه إطماع للمؤمنين بكف بأس الذين كفروا عنهم ، والإطماع من الله عز وجل واجب ، فهو وعد منه سبحانه ، ووعده كائن لا محالة والله أشد بأسا أي : أشد صولة وأعظم سلطانا وأشد تنكيلا أي : عقوبة ، يقال : نكلت بالرجل تنكيلا من النكال وهو العذاب .
والمنكل : الشيء الذي ينكل بالإنسان . من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها أصل الشفاعة والشفعة ونحوهما من الشفع وهو الزوج ، ومنه الشفيع لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعا ، ومنه ناقة شفوع : إذا جمعت بين محلبين في حلبة واحدة ، وناقة شفيع : إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها .
والشفع : ضم واحد إلى واحد . والشفعة : ضم ملك الشريك إلى ملكه ، فالشفاعة : ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك ، فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع ، واتصال منفعة إلى المشفوع له .
والشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة . والشفاعة السيئة في المعاصي ، فمن شفع في الخير لينفع فله نصيب منها ، أي : من أجرها ، ومن شفع في الشر كمن يسعى بالنميمة والغيبة كان له كفل منها ، أي : نصيب من وزرها .
والكفل : الوزر والإثم ، واشتقاقه من الكساء الذي يجعله الراكب على سنام البعير لئلا يسقط ، يقال : اكتفلت البعير ، إذا أدركت على سنامه كساء وركبت عليه ; لأنه لم يستعمل الظهر كله بل استعمل نصيبا منه ، ويستعمل في النصيب من الخير والشر . ومن استعماله في الخير قوله تعالى : يؤتكم كفلين من رحمته [ الحديد : 28 ] وكان الله على كل شيء مقيتا [ ص: 316 ] أي : مقتدرا ، قاله . الكسائي
وقال الفراء : المقيت الذي يعطي كل إنسان قوته ، يقال : قته أقوته قوتا ، وأقته أقيته إقاتة ، فأنا قائت ومقيت ، وحكى أقات يقيت . وقال الكسائي أبو عبيدة : المقيت الحافظ . قال النحاس : وقول أبي عبيدة أولى ; لأنه مشتق من القوت ، والقوت معناه : مقدار ما يحفظ الإنسان . وقال ابن فارس في المجمل : المقيت : المقتدر . والمقيت : الحافظ والشاهد . وأما قول الشاعر :
ألي الفضل أم علي إذا حو سبت إني على الحساب مقيت
فقال : إنه من غير هذا المعنى . ابن جرير الطبريوإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها التحية تفعلة من حييت ، والأصل تحيية مثل ترضية وتسمية فأدغموا الياء في الياء ، وأصلها الدعاء بالحياة . والتحية : السلام ، وهذا المعنى هو المراد هنا ، ومثله قوله تعالى : قوله : وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله [ المجادلة : 8 ] وإلى هذا ذهب جماعة المفسرين ، وروي عن مالك أن المراد بالتحية هنا تشميت العاطس .
وقال أصحاب أبي حنيفة ، التحتية هنا الهدية لقوله : أو " ردوها " ولا يمكن رد السلام بعينه ، وهذا فاسد لا ينبغي الالتفات إليه . والمراد بقوله : فحيوا بأحسن منها أن يزيد في الجواب على ما قاله المبتدئ بالتحتية ، فإذا قال المبتدئ : السلام عليكم ، قال المجيب : وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا زاد المبتدئ لفظا زاد المجيب على جملة ما جاء به المبتدئ لفظا أو ألفاظا نحو : وبركاته ومرضاته وتحياته .
قال القرطبي : أجمع العلماء على أن سنة مرغب فيها ، ورده فريضة لقوله : الابتداء بالسلام فحيوا بأحسن منها أو ردوها واختلفوا إذا رد واحد من جماعة هل يجزئ أو لا ؟ فذهب مالك إلى الإجزاء ، وذهب والشافعي الكوفيون إلى أنه لا يجزئ عن غيره ، ويرد عليهم حديث علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : أخرجه يجزئ من الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم أبو داود ، وفي إسناده سعيد بن خالد الخزاعي المدني وليس به بأس ، وقد ضعفه بعضهم . وقد حسن الحديث . ابن عبد البر
ومعنى قوله : أو ردوها الاقتصار على مثل اللفظ الذي جاء به المبتدئ ، فإذا قال : السلام عليكم ، قال المجيب : وعليكم السلام . وقد ورد في السنة المطهرة في تعيين من يبتدئ بالسلام ومن يستحق التحية ومن لا يستحقها ما يغني عن البسط هاهنا .
قوله : إن الله كان على كل شيء حسيبا يحاسبكم على كل شيء ، وقيل : معناه حفيظا ، وقيل : كافيا من قولهم أحسبني كذا ; أي : كفاني ، ومثله ( حسبك الله ) [ الأنفال : 64 ] . قوله : " الله لا إله إلا هو " مبتدأ وخبر ، واللام في قوله : " ليجمعنكم " جواب قسم محذوف ; أي : والله ليجمعنكم الله بالحشر إلى يوم القيامة ; أي : إلى حساب يوم القيامة ، وقيل : إلى بمعنى في ، وقيل : إنها زائدة . والمعنى : ليجمعنكم يوم القيامة ، ويوم القيامة يوم القيام من القبور لا ريب فيه أي : في يوم القيامة ، أو في الجمع ; أي : جمعا لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا إنكار لأن يكون أحد أصدق منه سبحانه .
وقرأ حمزة ومن أزدق بالزاي . وقرأ الباقون بالصاد ، والصاد الأصل . وقد تبدل زايا لقرب مخرجها منها . وقد أخرج والكسائي ابن المنذر عن وابن أبي حاتم أبي سنان في قوله : وحرض المؤمنين قال : عظهم . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم مجاهد في قوله : من يشفع شفاعة حسنة الآية ، قال : شفاعة الناس بعضهم لبعض . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم قتادة في قوله : يكن له نصيب منها قال : حظ منها . وقوله : كفل منها قال : الكفل هو الإثم . وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم قال : الكفل الحظ . وأخرج السدي ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن في قوله : ابن عباس وكان الله على كل شيء مقيتا قال : حفيظا .
وأخرج ابن المنذر عن وابن أبي حاتم : أنه سأله رجل عن قول الله عبد الله بن رواحة وكان الله على كل شيء مقيتا قال : يقيت كل إنسان بقدر عمله . وفي إسناده رجل مجهول . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم مجاهد في قوله : مقيتا قال : شهيدا . وأخرج عنه ابن جرير مقيتا قال : شهيدا حسيبا حفيظا .
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : سعيد بن جبير مقيتا قال : قادرا . وأخرج عن ابن جرير قال : المقيت القدير . وأخرج أيضا عن السدي ابن زيد مثله . وأخرج عن ابن أبي حاتم الضحاك قال : المقيت : الرزاق . وأخرج ابن أبي شيبة في الأدب المفرد والبخاري وابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم قال : ابن عباس ، ذلك بأن الله يقول : من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا وإذا حييتم بتحية الآية . وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند حسن عن قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : سلمان الفارسي وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها فرددناها عليك . وأخرج السلام عليك يا رسول الله ، فقال : وعليك ورحمة الله ، ثم أتى آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ، فقال : وعليك ورحمة الله وبركاته ، ثم جاء آخر فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال له : وعليك ، فقال له الرجل : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي ؟ فقال : إنك لم تدع لنا شيئا ، قال الله : في الأدب المفرد عن البخاري : أبي هريرة . وأخرج أن رجلا مر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مجلس فقال : سلام عليكم ، فقال : عشر حسنات ، فمر رجل آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فقال : عشرون حسنة ، فمر رجل آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال : ثلاثون حسنة البيهقي في شعب الإيمان عن مرفوعا نحوه . وأخرج [ ص: 317 ] ابن عمر البيهقي عن مرفوعا نحوه أيضا . وأخرج سهل بن حنيف أحمد والدارمي وأبو داود وحسنه والترمذي والنسائي والبيهقي عن مرفوعا نحوه أيضا ، وزاد بعد كل مرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رد عليه ، ثم قال : عشر إلى آخره . وأخرج عمران بن حصين أبو داود والبيهقي عن معاذ بن أنس الجهني مرفوعا نحوه ، وزاد بعد قوله وبركاته : ومغفرته ، فقال : أربعون ، يعني حسنة .