إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة
قد تقدم الكلام في الكلالة في أول هذه السورة ، وسيأتي ذكر المستفتي المقصود بقوله : ( يستفتونك ) قوله : إن امرؤ هلك أي : إن امرؤ هلك كما تقدم في قوله : وإن امرأة خافت [ النساء : 128 ] .
وقوله : ليس له ولد إما صفة لامرؤ أو حال ، ولا وجه للمنع من كونه حالا ، والولد يطلق على الذكر والأنثى ، واقتصر على عدم الولد هنا مع أن عدم الولد معتبر في الكلالة اتكالا على ظهور ذلك ، قيل : والمراد بالولد هنا الابن ، وهو أحد معنيي المشترك ؛ لأن البنت لا تسقط الأخت ، وقوله : ( وله أخت ) عطف على قوله : ( ليس له ولد ) .
والمراد بالأخت هنا هي الأخت لأبوين أو لأب لا لأم ، فإن فرضها السدس كما ذكر سابقا ، وقد ذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن وإن لم يكن معهم أخ . الأخوات لأبوين أو لأب عصبة للبنات
وذهب إلى أن وإليه ذهب ابن عباس وطائفة وقالوا : إنه لا ميراث للأخت لأبوين أو لأب مع البنت ، واحتجوا بظاهر هذه الآية ، فإنه جعل عدم الولد المتناول للذكر والأنثى قيدا في ميراث الأخت ، وهذا استدلال صحيح لو لم يرد في السنة ما يدل على ثبوت ميراث الأخت مع البنت ، وهو ما ثبت في الصحيح أن داود الظاهري معاذا قضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بنت وأخت فجعل للبنت النصف وللأخت النصف ، وثبت في الصحيح أيضا فكانت هذه السنة مقتضية لتفسير الولد بالابن دون البنت . أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في بنت وبنت ابن وأخت فجعل للبنت النصف ولبنت الابن السدس وللأخت الباقي
قوله : ( وهو يرثها ) أي : المرء يرثها ؛ أي : يرث الأخت إن لم يكن لها ولد ذكر إن كان المراد بإرثه لها حيازته لجميع ما تركته ، وإن كان المراد : ثبوت ميراثه له في الجملة أعم من أن يكون كلا أو بعضا صح تفسير الولد بما يتناول الذكر والأنثى ، واقتصر سبحانه في هذه الآية على نفي الولد مع كون الأب يسقط الأخ كما يسقطه الولد الذكر ؛ لأن المراد بيان حقوق الأخ مع الولد فقط هنا ، وأما سقوطه مع الأب فقد تبين بالسنة كما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : والأب أولى من الأخ ( فإن كانتا اثنتين ) أي : فإن كان من يرث بالأخوة اثنتين ، والعطف على الشرطية السابقة والتأنيث والتثنية ، وكذلك الجمع في قوله : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر وإن كانوا إخوة باعتبار الخبر فلهما الثلثان مما ترك المرء إن لم يكن له ولد كما سلف وما فوق الاثنتين من الأخوات يكون لهن الثلثان بالأولى ( وإن كانوا ) أي : من يرث بالأخوة إخوة رجالا ونساء أي : مختلطين ذكورا وإناثا ( فللذكر ) منهم ( مثل حظ الأنثيين ) تعصيبا يبين الله لكم أن تضلوا أي : يبين لكم حكم الكلالة وسائر الأحكام كراهة أن تضلوا ، هكذا حكاه القرطبي عن البصريين .
وقال : المعنى : لئلا تضلوا ، ووافقه الكسائي الفراء وغيره من الكوفيين والله بكل شيء من الأشياء التي هذه الأحكام المذكورة منها ( عليم ) أي : كثير العلم ، وقد أخرج ، البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم ، عن قال : جابر بن عبد الله . دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا مريض لا أعقل ، فتوضأ ثم صب علي فعقلت ، فقلت : إنه لا [ ص: 348 ] يرثني إلا كلالة فكيف الميراث ؟ فنزلت آية الفرائض
وأخرجه عنه ابن سعد ، بلفظ أنزلت في وابن أبي حاتم يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة . وأخرج ، ابن راهويه وابن مردويه ، عن عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : : فأنزل الله كيف تورث الكلالة يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة الآية . وأخرج مالك ، ومسلم ، ، وابن جرير والبيهقي ، عمر قال : ما سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شيء أكثر مما سألته في الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري وقال : ما تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء . وأخرج عن أحمد ، وأبو داود ، ، والترمذي والبيهقي ، عن قال : البراء بن عازب . جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن الكلالة ؟ فقال : تكفيك آية الصيف
وأخرج ، البخاري ومسلم وغيرهما ، عن عمر قال : ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عهد إلينا فيهن عهدا ننتهي إليه : الجد ، والكلالة ، وأبواب من أبواب الربا . وأخرج ، البخاري ومسلم وغيرهما عن قال : البراء بن عازب براءة ، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء آخر سورة نزلت كاملة يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة .
وأخرج عبد الرزاق ، ، وابن جرير وابن المنذر ، عن قال : كان ابن سيرين إذا قرأ عمر بن الخطاب يبين الله لكم أن تضلوا قال : اللهم من بينت له الكلالة فلم تبين لي ، وقد أوضحنا الكلام خلافا واستدلالا وترجيحا في شأن الكلالة في أوائل هذه السورة فلا نعيده .
وإلى هنا انتهى الجزء الأول من التفسير المبارك : المسمى فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير بقلم مؤلفه الراجي من ربه سبحانه أن يعينه على تمامه ، وينفع به من شاء من عباده ، ويجعله ذخيرة له عند وفوده إلى الدار الآخرة محمد بن علي بن محمد الشوكاني غفر الله لهما ، وكان الانتهاء إلى هذا الموضع في يوم العيد الأكبر ، يوم النحر المبارك من سنة أربع وعشرين بعد مائتين وألف من الهجرة النبوية ، حامدا لله ومصليا ومسلما على رسوله وحبيبه محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه .
اهـ . الحمد له : كمل سماعا ، والحمد لله في شهر القعدة من عام سنة 1232 .
يحيى بن علي الشوكاني .