وقرأ أهل المدينة وأهل البصرة من حليهم بضم الحاء وتشديد الياء .
وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما بكسر الحاء .
وقرأ يعقوب بفتح الحاء وتخفيف الياء .
قال النحاس : جمع حلي : حلي وحلي مثل ثدي : ثدي وثدي ، والأصل حلوي أدغمت الواو في الياء فانكسرت اللام لمجاورتها الياء وتكسر الحاء لكسرة اللام وضمها على الأصل ، وأضيفت الحلي إليهم وإن كانت لغيرهم لأن الإضافة تجوز لأدنى ملابسة ، و عجلا مفعول اتخذ ، وقيل : هو بمعنى التصيير فيتعدى إلى مفعولين ثانيهما محذوف : أي اتخذوا عجلا إلها ، و جسدا بدل من عجلا ، وقيل : وصف له ، والخوار الصياح : يقال : خار يخور خورا إذا صاح ، وكذلك خار يخار خوارا .
السامري وحده لكونه واحدا منهم وهم راضون بفعله . ونسب اتخاذ العجل إلى القوم جميعا مع أنه اتخذه
روي أنه لما وعد موسى قومه ثلاثين ليلة فأبطأ عليهم في العشر المزيدة ، قال السامري لبني إسرائيل وكان مطاعا فيهم : إن معكم حليا من حلي آل فرعون الذي استعرتموه منهم لتتزينوا به في العيد وخرجتم وهو معكم ، وقد أغرق الله أهله من القبط فهاتوها ، فدفعوها إليه فاتخذ منها العجل المذكور .
قوله : ألم يروا أنه لا يكلمهم الاستفهام للتقريع والتوبيخ : أي ألم يعتبروا بأن هذا الذي اتخذوه إلها لا يقدر على تكليمهم فضلا عن أن يقدر على جلب نفع لهم أو دفع ضر منهم ولا يهديهم سبيلا أي طريقا واضحة يسلكونها اتخذوه وكانوا ظالمين أي اتخذوه إلها وكانوا ظالمين لأنفسهم في اتخاذه أو في كل شيء ، ومن جملة ذلك هذا الاتخاذ .
ولما سقط في أيديهم أي ندموا وتحيروا بعد عود قوله : موسى من الميقات ، يقال للنادم المتحير : قد سقط في يده .
قال الأخفش : يقال : سقط في يده وأسقط ، ومن قال : سقط في أيديهم على البناء للفاعل فالمعنى عنده : سقط الندم وأصله أن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها ، لأن فاه قد وقع فيها .
وقال الأزهري والزجاج والنحاس ، وغيرهم : معنى سقط في أيديهم : أي في قلوبهم وأنفسهم كما يقال : حصل في يده مكروه ، وإن كان محالا أن يكون في اليد تشبيها لما يحصل في القلب والنفس بما يحصل في اليد ، لأن مباشرة الأشياء في الغالب باليد ، قال الله تعالى : ذلك بما قدمت يداك ( الحج : 10 ) وأيضا الندم وإن حل القلب فأثره يظهر في البدن ، لأن النادم يعض يده ويضرب إحدى يديه على الأخرى ، قال الله تعالى : فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها ( الكهف : 42 ) ومنه ويوم يعض الظالم على يديه ( الفرقان : 27 ) أي من الندم وأيضا النادم يضع ذقنه في يده ، ورأوا أنهم قد ضلوا معطوف على سقط : أي تبينوا أنهم قد ضلوا باتخاذهم العجل وأنهم قد ابتلوا بمعصية الله سبحانه قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا قرأ حمزة بالفوقية في الفعلين جميعا ، وقرأ الباقون بالتحتية واللام للقسم وجوابه لنكونن من الخاسرين . والكسائي
وفي هذا الكلام منهم ما يفيد ، وسيأتي في سورة طه إن شاء الله ما يدل على أن هذا الكلام المحكي عنهم هنا وقع بعد رجوع الاستغاثة بالله والتضرع والابتهال في السؤال موسى ، وإنما قدم هنا على رجوعه لقصد حكاية ما صدر عنهم من القول والفعل في موضع واحد .
قوله : ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا هذا بيان لما وقع من موسى بعد رجوعه ، وانتصاب غضبان وأسفا على الحال ، والأسف شديد الغضب .
قيل : هو منزلة وراء الغضب أشد منه ، وهو أسف وأسيف وأسفان وأسوف ، قال : أخبره الله قبل رجوعه بأنهم قد فتنوا ، فلذلك رجع وهو غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي هذا ذم من ابن جرير ، الطبري موسى لقومه : أي بئس العمل ما عملتموه من بعدي : أي من بعد غيبتي عنكم ، يقال : خلفه بخير وخلفه بشر ، استنكر عليهم ما فعلوه وذمهم لكونهم قد شاهدوا من الآيات ما يوجب بعضه الانزجار والإيمان بالله وحده ، ولكن هذا شأن بني إسرائيل في تلون حالهم واضطراب أفعالهم ، ثم قال منكرا عليهم : أعجلتم أمر ربكم والعجلة : التقدم بالشيء قبل وقته ، يقال : عجلت الشيء سبقته ، وأعجلت الرجل حملته على العجلة ، والمعنى : أعجلتم عن انتظار أمر ربكم : أي ميعاده الذي وعدنيه ، وهو الأربعون ففعلتم ما فعلتم ، وقيل : معناه : تعجلتم سخط ربكم ، وقيل : معناه : أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم وألقى الألواح أي طرحها لما اعتراه من شدة الغضب والأسف حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل .
وأخذ برأس أخيه يجره إليه أي أخذ برأس أخيه قوله : هارون أو بشعر رأسه حال كونه يجره إليه : فعل به ذلك لكونه لم ينكر على السامري ولا غيره ما رآه من عبادة بني إسرائيل للعجل فقال هارون معتذرا منه : ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني أي إني لم أطق تغيير ما فعلوه لهذين الأمرين : استضعافهم لي ، ومقاربتهم لقتلي ، وإنما قال ابن أم مع كونه أخاه من أبيه وأمه ، لأنها كلمة لين وعطف ، ولأنها كانت كما قيل : مؤمنة .
وقال : قيل : كان الزجاج هارون أخا موسى لأمه لا لأبيه .
قرئ ابن أم بفتح الميم تشبيها له بخمسة عشر ، فصار كقولك : يا خمسة عشر أقبلوا .
وقال الكسائي والفراء وابو عبيد : إن الفتح على تقدير يا بن أما .
وقال البصريون هذا القول خطأ : لأن الألف خفيفة لا تحذف ، ولكن جعل الاسمين اسما واحدا كخمسة عشر ، واختاره الزجاج والنحاس ، .
وأما من قرأ بكسر الميم فهو على تقدير ابن أمي ، ثم حذفت الياء وأبقيت الكسرة لتدل عليها .
وقال الأخفش وأبو حاتم ، : " ابن أم بالكسر كما تقول : يا غلام أقبل ، وهي لغة شاذة والقراءة بها بعيدة ، وإنما هذا فيما يكون مضافا إليك .
وقرئ " ابن أمي " بإثبات الياء .
قوله : فلا تشمت بي الأعداء الشماتة : السرور من الأعداء بما يصيب من يعادونه من المصائب ، ومنه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : وهو في الصحيح ، ومنه قول الشاعر : اللهم إني أعوذ بك من سوء [ ص: 502 ] القضاء ودرك الشقاء وجهد البلاء وشماتة الأعداء
إذا ما الدهر جر على أناس كلاكله أناخ بآخرينا فقل للشامتين بنا أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا
وقرأ مجاهد " فلا تشمت بي الأعداء " بفتح حرف المضارعة وفتح الميم ورفع الأعداء على أن الفعل مسند إليهم : أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله بي . ومالك بن دينار
وروي عن مجاهد أنه قرأ " تشمت " كما تقدم عنه مع نصب الأعداء .
قال : والمعنى فلا تشمت بي أنت يا رب وجاز هذا كما في قوله : الله يستهزئ بهم ( البقرة : 15 ) ونحوه ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلا نصب به الأعداء كأنه قال : ولا تشمت يا رب بي الأعداء ، وما أبعد هذه القراءة عن الصواب وأبعد تأويلها عن وجوه الإعراب . ابن جني
ولا تجعلني مع القوم الظالمين أي لا تجعلني بغضبك علي في عداد القوم الظالمين : يعني الذين عبدوا العجل أو لا تعتقد أني منهم . قوله :
قوله : قال رب اغفر لي ولأخي هذا كلام مستأنف جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل : فماذا قال موسى بعد كلام هارون هذا ؟ فقيل : قال رب اغفر لي ولأخي طلب المغفرة له أولا ، ولأخيه ثانيا ليزيل عن أخيه ما خافه من الشماتة ، فكأنه تذمم مما فعله بأخيه ، وأظهر أنه لا وجه له ، وطلب المغفرة من الله مما فرط منه في جانبه ، ثم طلب المغفرة لأخيه إن كان قد وقع منه تقصير فيما يجب عليه من الإنكار عليهم وتغيير ما وقع منهم ، ثم طلب إدخاله وإدخال أخيه في رحمة الله التي وسعت كل شيء فهو أرحم الراحمين .
وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : واتخذ قوم موسى الآية ، قال : حين دفنوها ألقى عليها السامري قبضة من تراب أثر فرس جبريل عليه السلام .
وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في الآية قال : استعاروا حليا من آل فرعون ، فجمعه السامري فصاغ منه عجلا فجعله جسدا لحما ودما له خوار .
وأخرج عن ابن أبي حاتم ، عكرمة في قوله : خوار قال : الصوت .
وأخرج عن ابن أبي حاتم ، الضحاك ، قال : خار العجل خورة لم يئن ألم تر أن الله قال : ألم يروا أنه لا يكلمهم .
وأخرج ابن المنذر ، عن في قوله : سقط في أيديهم قال : ندموا . ابن عباس ،
وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، من طرق عن أسفا قال : حزينا . ابن عباس ،
وأخرج أبو الشيخ ، عن قال : الأسف منزلة وراء الغضب أشد من ذلك . أبي الدرداء
وأخرج عن عبد بن حميد ، قال : الأسف الغضب الشديد . محمد بن كعب
وأخرج ابو عبيد وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قال : لما ألقى ابن عباس ، موسى الألواح تكسرت فرفعت إلا سدسها .
وأخرج أبو الشيخ ، عنه قال : رفع الله منها ستة أسباعها وبقي سبع .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد أو قال : لما ألقاها سعيد بن جبير ، موسى ذهب التفصيل وبقي الهدى .
وأخرج ابن المنذر ، عن قال : كانت تسعة رفع منها لوحان وبقي سبعة . ابن جريج
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم ، مجاهد في قوله : ولا تجعلني مع القوم الظالمين قال : مع أصحاب العجل .