" إذ " من الظروف الموضوعة للتوقيت وهي للمستقبل ، وإذا للماضي ، وقد توضع إحداهما موضع الأخرى .
وقال المبرد : هي مع المستقبل للمضي ومع الماضي للاستقبال .
وقال أبو عبيدة : إنها هنا زائدة .
وحكاه الزجاج وابن النحاس وقالا : هي ظرف زمان ليست مما يزاد ، وهي هنا في موضع نصب بتقدير اذكر أو قالوا ، وقيل : هو متعلق بـ " خلق لكم " ، وليس بظاهر ، والملائكة جمع ملك بوزن فعل ، قاله ابن كيسان ، وقيل ، جمع ملأك بوزن مفعل قاله أبو عبيدة ، من لأك : إذا أرسل ، والألوكة : الرسالة .
قال لبيد :
وغلام أرسلته أمه بألوك فبذلنا ما سأل
وقال : عدي بن زيدأبلغ النعمان عني مألكا أنه قد طال حبسي وانتظار
وقال : لا اشتقاق لملك عند العرب ، والهاء في الملائكة تأكيد لتأنيث الجمع ، ومثله الصلادمة ، والصلادم الخيل الشداد ، وإحداها صلدم ، وقيل : هي للمبالغة كعلامة ونسابة و جاعل هنا من جعل المتعدي إلى مفعولين . النضر بن شميل
وذكر المطرزي أنه بمعنى خالق ، وذلك يقتضي أنه متعد إلى مفعول واحد ، والأرض هنا : هي هذه الغبراء ، ولا يختص ذلك بمكان دون مكان - وقيل : إنها مكة .
والخليفة هنا معناه الخالف لمن كان قبله من الملائكة ، ويجوز أن يكون بمعنى المخلوف : أي يخلفه غيره ، قيل : هو آدم ، وقيل : كل من له خلافة في الأرض ، ويقوي الأول قوله : خليفة دون خلائف ، واستغني بآدم عن ذكر ما بعده قيل : خاطب الله الملائكة بهذا الخطاب لا للمشورة ولكن لاستخراج ما عندهم ، وقيل : خاطبهم بذلك لأجل أن يصدر منهم ذلك السؤال فيجابون بذلك الجواب ، وقيل : لأجل تعليم عباده مشروعية المشاورة لهم .
وأما قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها فظاهره أنهم استنكروا استخلاف بني آدم في الأرض لكونهم مظنة للإفساد في الأرض ، وإنما قالوا هذه المقالة قبل أن يتقدم لهم معرفة ببني آدم ، بل قبل وجود آدم فضلا عن ذريته ، لعلم قد علموه من الله سبحانه بوجه من الوجوه لأنهم لا يعلمون الغيب ، قال بهذا جماعة من المفسرين .
وقال بعض المفسرين : إن في الكلام حذفا ، والتقدير : إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا وكذا ، فقالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها وقوله : يفسد قائم مقام المفعول الثاني .
والفساد : ضد الصلاح ، وسفك الدم : صبه ، قاله ابن فارس والجوهري : ولا يستعمل السفك إلا في الدم ، وواحد الدماء دم ، وأصله دمي حذف لامه ، وجملة ونحن نسبح بحمدك حالية .
التنزيه والتبعيد من السوء على وجه التعظيم . والتسبيح في كلام العرب
قال الأعشى :
أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر
و بحمدك في موضع الحال : أي حامدين لك ، وقد تقدم معنى الحمد .
والتقديس : التطهير ، أي ونطهرك عما لا يليق بك مما نسبه إليك الملحدون وافتراه الجاحدون .
وذكر في الكشاف أن معنى التسبيح والتقديس واحد وهو تبعيد الله من السوء ، وأنهما من سبح في الأرض والماء وقدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد .
وفي القاموس وغيره من كتب اللغة ما يرشد إلى ما ذكرناه ، والتأسيس خير من التأكيد خصوصا في كلام الله سبحانه .
ولما كان سؤالهم واقعا على صفة تستلزم إثبات شيء من العلم لأنفسهم .
أجاب الله سبحانه عليهم بقوله : إني أعلم ما لا تعلمون وفي هذا الإجمال ما يغني عن التفصيل ، لأن من علم ما لا يعلم المخاطب له كان حقيقا بأن يسلم له ما يصدر عنه ، وعلى من لا يعلم أن يعترف لمن يعلم بأن أفعاله صادرة على ما يوجبه العلم وتقتضيه المصلحة الراجحة والحكمة البالغة .
ولم يذكر متعلق قوله : تعلمون ليفيد التعميم ، ويذهب السامع عند ذلك كل مذهب ويعترف بالعجز ويقر بالقصور .
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قال : إن الله أخرج ابن عباس آدم من الجنة قبل أن يخلقه ثم قرأ إني جاعل في الأرض خليفة وأخرج الحاكم وصححه عنه أيضا نحوه وزاد .
وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان ، فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء ، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله عليهم جنودا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور ، فلما قال الله : إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء كما فعل أولئك الجان فقال الله : إني أعلم ما لا تعلمون وأخرج عن ابن أبي حاتم ابن عمرو مثله .
وأخرج عن ابن جرير أطول منه . ابن عباس
وأخرج ابن جرير عن وابن عساكر وناس من الصحابة قال : لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش ، فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم : الجن ، وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة ، وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في صدره كبر وقال : ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي فاطلع الله على ذلك منه فقال للملائكة : ابن مسعود إني جاعل في الأرض خليفة قالوا : ربنا وما يكون ذلك الخليفة ؟ قال : يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا قالوا : ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء قال إني أعلم ما لا تعلمون وأخرج عبد بن حميد عن وابن أبي حاتم نحوه . ابن عباس
وأخرج عبد بن حميد عن وابن جرير قتادة في الآية قال : قد علمت الملائكة وعلم الله أنه لا شيء أكره عند الله من سفك الدماء والفساد في الأرض .
وأخرج ابن المنذر عن قال : ابن عباس وذلك أن الله قال : إياكم والرأي ، فإن الله رد الرأي على الملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالت الملائكة : أتجعل فيها من يفسد فيها قال : إني أعلم ما لا تعلمون .
وأخرج [ ص: 45 ] ابن جرير وابن أبي حاتم عن وابن عساكر أبي سابط أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : دحيت الأرض من مكة وكانت الملائكة تطوف بالبيت فهي أول من طاف به وهي الأرض التي قال الله : إني جاعل في الأرض خليفة قال ابن كثير : وهذا مرسل في سنده ضعف ، وفيه مدرج ، وهو أن المراد بالأرض مكة ، والظاهر أن المراد بالأرض أعم من ذلك انتهى .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن وابن جرير قتادة قال : التسبيح والتقديس المذكور في الآية هو الصلاة .
وأخرج في كتاب التوبة عن ابن أبي الدنيا أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء قال : فرادوه فأعرض عنهم ، فطافوا بالعرش ست سنين يقولون : لبيك لبيك اعتذارا إليك ، لبيك لبيك نستغفرك ونتوب إليك وثبت في الصحيح من حديث إن أول من لبى الملائكة ، قال الله تعالى : أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : . أحب الكلام إلى الله ما اصطفاه لملائكته سبحان ربي وبحمده
وأخرج عن ابن جرير وناس من الصحابة في قوله : ابن مسعود ونقدس لك قال : نصلي لك .
وأخرج عن ابن أبي حاتم قال : التقديس : التطهير : وأخرج ابن عباس عبد بن حميد عن وابن جرير مجاهد في قوله : ونقدس لك قال : نعظمك ونكبرك .
وأخرجا عن أبي صالح قال : نعظمك ونمجدك .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن وابن جرير مجاهد في قوله : أعلم ما لا تعلمون قال : علم من إبليس المعصية وخلقه لها .
وأخرج عبد بن حميد عن وابن جرير قتادة في تفسيرها قال : كان في علم الله أنه سيكون من الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد في صحيحه وابن حبان والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : آدم لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة : أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء الآية ، قالوا : ربنا نحن أطوع لك من بني آدم ، قال الله لملائكته : هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبطا إلى الأرض فننظر كيف يعملان ؟ فقالوا : ربنا هاروت وماروت ، قال : فاهبطا إلى الأرض ، فتمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر وذكر القصة . إن
وقد ثبت في كتب الحديث المعتبرة أحاديث من طريق جماعة من الصحابة في صفة خلقه سبحانه لآدم وهي موجودة فلا نطول بذكرها .