يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين
الأنفال جمع نفل محركا ، وهو الغنيمة ، ومنه قول عنترة :
إنا إذا احمر الوغى نروي القنا ونعف عند مقاسم الأنفال
أي الغنائم ، وأصل النفل : الزيادة ، وسميت الغنيمة به لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأمة مما كان محرما على غيرهم ، أو لأنها زيادة على ما يحصل للمجاهد من أجر الجهاد ، ويطلق النفل على معان أخر منها اليمين ، والابتغاء ونبت معروف .والنافلة التطوع لكونها زائدة على الواجب ، والنافلة : ولد الولد ؛ لأنه زيادة على الولد .
وكان سبب نزول الآية : اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم - في يوم بدر كما سيأتي بيانه فنزع الله ما غنموه من أيديهم وجعله لله والرسول ، فقال : قل الأنفال لله والرسول أي : حكمها مختص بهما يقسمها بينكم رسول الله عن أمر الله - سبحانه - وليس لكم حكم في ذلك .
وقد ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة ليس لأحد فيها شيء حتى نزل قوله - تعالى - : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ( الأنفال : 41 ) .
ثم أمرهم بالتقوى ، وإصلاح ذات البين ، وطاعة الله والرسول بالتسليم لأمرهما ، وترك الاختلاف الذي وقع بينهم ، ثم قال : إن كنتم مؤمنين أي امتثلوا هذه الأوامر الثلاثة إن كنتم مؤمنين بالله ، وفيه من التهييج والإلهاب ما لا يخفى ، مع كونهم في تلك الحال على الإيمان فكأنه قال : إن كنتم مستمرين على الإيمان بالله ؛ لأن هذه الثلاثة الأمور التي هي تقوى الله ، وإصلاح ذات البين ، وطاعة الله والرسول ، لا يكمل الإيمان بدونها ، بل لا يثبت أصلا لمن لم يمتثلها ، فإن من ليس بمتق وليس بمطيع لله ورسوله ليس بمؤمن .
وقد أخرج أحمد ، ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وأبو الشيخ ، والحاكم وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن أبي أمامة قال : عن الأنفال فقال : فينا أصحاب عبادة بن الصامت بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا ، فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فقسمه رسول الله بين المسلمين عن بواء ، يقول عن سواء . سألت
وأخرج ، سعيد بن منصور وأحمد ، وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان والحاكم وصححه وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن قال : عبادة بن الصامت بدرا ، فالتقى الناس فهزم الله العدو ، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون ، وأكبت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه ، وأحدقت طائفة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصيب العدو منه غرة ، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض ، قال الذين جمعوا الغنائم : نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب ، [ ص: 524 ] وقال الذين خرجوا في طلب العدو : لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنه العدو وهزمناهم ، وقال الذين أحدقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به ، فنزلت : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول قسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المسلمين وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أغار في أرض العدو نفل الربع ، وإذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث ، وكان يكره الأنفال ويقول : ليرد قوي المسلمين على ضعيفهم . خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشهدت معه
وأخرج في مسنده إسحاق بن راهويه وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن قال : أبي أيوب الأنصاري بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فنصرها الله وفتح عليها ، فكان من آتاه بشيء نفله من الخمس ، فرجع رجال كانوا يستقدمون ويقتلون ويأسرون وتركوا الغنائم خلفهم ، فلم ينالوا من الغنائم شيئا ، فقالوا : يا رسول الله ما بال رجال منا يستقدمون ويأسرون ، وتخلف رجال لم يصلوا بالقتال فنفلتهم بالغنيمة ؟ فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل : يسألونك عن الأنفال الآية ، فدعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ردوا ما أخذتم واقتسموا بالعدل والسوية فإن الله يأمركم بذلك ، فقالوا : قد أنفقنا وأكلنا ، فقال : احتسبوا ذلك .
وأخرج أحمد ، وأبو داود ، وصححه والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والحاكم وصححه وابن مردويه ، والبيهقي في سننه قال : قلت : يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين ، فهب لي هذا السيف ، فقال : إن هذا السيف لا لك ولا لي ، ضعه ، فوضعته ، ثم رجعت قلت : عسى يعطى هذا السيف اليوم من لا يبلي بلائي إذا رجل يدعوني من ورائي ، قلت : قد أنزل الله في شيئا ؟ قال : كنت سألتني هذا السيف وليس هو لي ، وإنه قد وهب لي فهو لك وأنزل الله هذه الآية سعد بن أبي وقاص يسألونك عن الأنفال وفي لفظ عن لأحمد ، سعدا قال : لما قتل أخي يوم بدر وقتلت وأخذت سيفه ، وكان يسمى ذا الكنيفة فأتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم سعيد بن العاص - ، ثم ذكر نحو ما تقدم وقد روي هذا الحديث عن أن سعد من وجوه أخر .
وأخرج ، ابن جرير وابن مردويه ، عن عن أبيه عن جده : عمرو بن شعيب بدر فنزلت : يسألونك عن الأنفال . . أن الناس سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغنائم يوم
وأخرج ابن مروديه عنه قال : لم ينفل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد إذ نزلت عليه يسألونك عن الأنفال إلا من الخمس فإنه نفل يوم خيبر من الخمس .
وأخرج ، ابن أبي شيبة وأبو داود ، والنسائي ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن حبان وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ، قال ابن عباس بدر قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من قتل قتيلا فله كذا وكذا ، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا ، فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات ، وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم ، فقالت المشيخة للشبان : أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردءا ، ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا ، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت : يسألونك عن الأنفال الآية ، فقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - الغنائم بينهم بالسوية . لما كان يوم
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن ، في قوله : ابن عباس يسألونك عن الأنفال قال : الأنفال المغانم ، كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصة ليس لأحد منها شيء ما أصاب من سرايا المسلمين من شيء أتوه به ، فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول ، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيهم منها شيئا فأنزل الله : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لي جعلتها ولرسولي ليس لكم فيها شيء فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم إلى قوله : إن كنتم مؤمنين ثم أنزل الله واعلموا أنما غنمتم من شيء ( الأنفال : 41 ) الآية ، ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولذي القربى واليتامى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ، وجعل أربعة أخماس الناس فيه سواء ، للفرس سهمان ، ولصاحبه سهم ، وللراجل سهم .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر ، عن ، في قوله ابن عباس يسألونك عن الأنفال قال : هي المغانم ، ثم نسخها واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية .
وأخرج مالك ، وابن أبي شيبة وأبو عبيد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم والنحاس ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن قال : سمعت رجلا يسأل القاسم بن محمد ، عن الأنفال فقال : الفرس من النفل ، والسلب من النفل ، فأعاد المسألة فقال ابن عباس : هذا مثل ضبيع الذي ضربه ابن عباس عمر ، وفي لفظ : فقال ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بضبيع العراقي ، وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على عقبيه .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، عنه قال : الأنفال المغانم ، أمروا أن يصلحوا ذات بينهم فيها فيرد القوي على الضعيف .
وأخرج ، عبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، والنحاس ، وأبو الشيخ ، عن عطاء في قوله : يسألونك عن الأنفال قال : هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال ، من عبد أو دابة أو متاع فذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع به ما شاء .
وأخرج ، ابن أبي شيبة ، وابن جرير وأبو الشيخ ، عن محمد بن عمرو قال : أرسلنا إلى نسأله عن الأنفال فقال : تسألوني عن الأنفال وإنه لا نفل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم . سعيد بن المسيب
وأخرج عبد الرزاق ، عن سعيد أيضا قال : ما كانوا ينفلون إلا من الخمس وروى عبد الرزاق ، عنه أنه قال : لا نفل في غنائم المسلمين إلا في خمس الخمس .
وأخرج عبد الرزاق ، عن أنس أن أميرا من الأمراء أراد أن ينفله قبل أن يخمسه فأبى أنس أن يقبله حتى يخمسه .
وأخرج ، ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، عن وابن أبي حاتم ، في قوله : الشعبي يسألونك عن الأنفال قال : ما أصابت السرايا .
وأخرج ، ابن أبي شيبة ، وابن جرير والنحاس ، في ناسخه عن مجاهد وعكرمة قال : كانت الأنفال لله والرسول حتى نسخها آية الخمس واعلموا أنما غنمتم من شيء ( الأنفال : 41 ) الآية .
وأخرج ، ابن أبي شيبة ، في الأدب المفرد ، والبخاري وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان عن [ ص: 525 ] ، في قوله : ابن عباس وأصلحوا ذات بينكم قال : هذا تخريج من الله على المؤمنين أن يتقوا الله وأن يصلحوا ذات بينهم حيث اختلفوا في الأنفال .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم مكحول ، قال : كان صلاح ذات بينهم أن ردت الغنائم ، فقسمت بين من ثبت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين من قاتل وغنم .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم عطاء في قوله : وأطيعوا الله ورسوله قال : طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة .